بغض النظر عن نتائج “الثلثاء الكبير” وهو اليوم الانتخابي في 12 ولاية اميركية أبرزها تكساس، للاختيار بين المرشحين الديموقراطيين والجمهوريين المتنافسين في السباق الى البيت الأبيض، وسواء واصل دونالد ترامب تقدمه المثير ام تراجع، يبقى من الضروري التأمل في هذه الظاهرة، ولكن من منظار جديد يتصل بالقواعد الفكرية والاجتماعية والثقافية التي تصنع الرأي العام الأميركي وتوجهه.
قرأت حتى الآن مئآت التصريحات والمقالات التي تصف ترامب بالمجنون ومنها قول زوجته السابقة إيفانا لصحيفة “الدايلي ميل” انه مجنون ومتطرف جنسياً وخطير وأحمق، لكن كل ذلك لم يوقف زحف هذا المهرج الذي لم يتردد في توجيه الشتيمة حتى الى بابا روما!
صحيفة محترمة مثل “الواشنطن بوست” كتبت مقالاً مثيراً للذهول الأسبوع الماضي طالبت فيه زعماء الحزب الجمهوري ببذل كل ما في وسعهم “لتجنب حصول المستحيل”، وما هو المستحيل، انه مجرد افتراض ان دونالد ترامب يمكن ان يصبح سيد البيت الأبيض، قائلة: “إن التاريخ لن ينظر برحمة الى زعماء الحزب الجمهوري الذين لا يبذلون كل ما في وسعهم لئلا يصبح محرض متنمر حامل رايتهم”!
لكن ذلك لم يحدّ من تقدم “المجنون ترامب” كما تقول عنه هيلاري كلينتون، فقد حقق الفوز حتى الآن في ثلاث ولايات مختلفة الاتجاهات للرأي العام، في نيوهامبشير حيث تتجاوز نسبة المعتدلين ربع الناخبين، وفي كارولينا الجنوبية حيث يشكل الإنجيليون 75 في المئة من ناخبيها، وحتى في نيفادا حيث تصل نسبة غير البيض الى 17 في المئة وحيث نال 46 في المئة من اصوات المهاجرين المكسيكيين الذين يصفهم بأنهم مجرمون ومغتصبون!
في طريق عودته من المكسيك رأى البابا فرنسيس انه لا يمكن ترامب القول انه مسيحي حين يدعو الى بناء الجدران لوقف تدفق المهاجرين وقال: “إن شخصاً يريد بناء جدران بدل الجسور لا يعد مسيحياً”. ولم يتوان في الردّ “إن كلام البابا مخز… وإذا هاجم داعش الفاتيكان سيتمنى البابا لو كنت أنا رئيساً”!
كل ذلك لا يضيف شيئاً الى زوبعة الغبار الاسود التي يثيرها ترامب والتي جعلت كلينتون تقول “إن قضيته ليست مزحة، انه يتطلع الى تحقيق المزيد، والمزيد انه يلهب انصاره من خلال وصف المكسيكيين بالمجرمين والدعوة الى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة”. لكن ما هو أعمق وأهم تكشفه مؤسسات الاستطلاعات عندما تسأل الاميركيين ما اذا كانوا غاضبين من الحكومات الفدرالية أم غير راضين عنها، فيأتي الجواب ان 90 في المئة منهم غير راضين، بما يعني ان هناك مشكلة داخل النظام الاميركي عينه!
يبقى سؤال ضروري: متى عرفنا كعرب كيف نتعامل مع هذا المجتمع الاميركي الذي يحتكره العدو الاسرائيلي؟