إسرائيل لن تترك «حجراً على حجر» إذا «استفزّها» «حزب الله». وإيران «ستزيل» تل أبيب وحيفا من الوجود إذا (أداة الشرط!) هاجمتها إسرائيل! وكيم جونغ أون «سيعلّم» أميركا درساً من التاريخ! ودونالد ترامب «سيدمّر» كوريا الشمالية إذا هاجمت الأميركيين.. وبالقرب أكثر، «ستموت كردستان جوعاً» عقاباً لها على الاستفتاء، ورئيسها مستعدّ للموت بسبب قراره! ثمّ بالقرب أكثر فأكثر يتغنّى بشار الأسد بمجتمع صار أكثر «تجانساً» بعد قتل نحو مليون سوري وإخفاء عشرات الألوف وتهجير نحو عشرة ملايين من بلدهم!
.. ثمّ بعد ذلك «يتسلّى» فلاديمير بوتين بمذبحتين أو ثلاث في حق المدنيين بإدلب وجوارها مع أنّه يتّهم «داعش» بقتل الجنرال الرفيع المستوى فاليري أسابوف في دير الزور!
زمن مكثّف! «حالاته» سريعة ومواكبة للغة العصر وتقنيّاته وآليات التبليغ فيه! وأعراضه كما أمراضه فورية وطازجة. على العكس من أيام زمان حيث كان التخمّر ضرورة لازمة وشرطية لنضوج جملة استثنائية! أو «حكمة» جليلة! أو منظومة فكرية غير مألوفة! أو أدلجة خلاصية مدّعاة لا تفعل (ولم تفعل) سوى تعميم المقابر وتدمير العمران وتفخيم البلاء والقتل، وإعطاء الجريمة الجماعية أوصافاً «علمية» مرموقة لتغطية نسَبها الحيواني الأكيد!
قبل الآن بقليل، هدّد صدّام حسين بـ«حرق» نصف إسرائيل! ومحا وليد المعلّم أوروبا عن الخارطة… فتكثّفت عملية تدمير العراق بالمعنى الحرفي الدال الى بنيته الدولتيّة والديموغرافية ومؤسساته وجيشه ووحدته وثرواته! ورست «المعادلة» السورية عند شيء شبيه: لن يسقط بشار الأسد تماماً قبل أن يكمل بنفسه مقوّمات عرقنة سوريا! ولن تأتي إشارة النهاية قبل «التأكد» من اكتمال المذبحة وتثبيت مراسم وداع «القطر الشقيق» بدولته ومؤسساته ووحدته العزيزة!
.. في العنف البلاغي الضاري الراهن، أشياء من عالم الأمس السابق للحربَين العالميّتَين في القرن العشرين. وشيوع خارج المألوف، للغة اختصّ بها جلاوزة النظم الشمولية بكل لهجاتها وطبائعها وهُويّاتها و«قيمها» وأزمانها. وفي أول ذلك إستسهال العقاب الجماعي وتبرير (أو محاولة تبرير!) التوعّدات الإفنائيّة بسرديّة ردّ الفعل! والمحافظة على الذات! وردّ «العدوان». وما إلى ذلك من أداء يعدم الفارق بين نتاجات الديكتاتوريات والديموقراطيات، ويحيل هذا العالم الى مصحّ عقلي، أسوأ ما فيه أنّ أطبّاءه مثل نزلائه، أو أسوأ!
وأمر غريب أن تكون الحداثة رديفة لكلّ هذا التهتّك الارتدادي والرجعي! وأن تنتج العولمة كل هذا الارتباك والتأزيم والانحدار في قيم الأنسنة واحترام الحياة.. ثم الأغرب، أن تتمكّن نظم الاستبداد المستيقظة على طموحاتها القومية أو المذهبية (البدائية) من التحكّم بـ«المزاج» الدولي العام وبمصائر أمم وشعوب سبق وأن «عبَرت» الطريق! وأن تفرض وصول «لغتها» المقفلة والصدِئة والكلسيّة الى دواخل المجتمعات المدنية شرقاً وغرباً، وإلى آليات التفكير وصنع القرار في دول القانون والمؤسسات والحريّة وتداول السلطة!
.. يستحق هذا العالم خياراً ثالثاً خارج ازدواجيّة المفاضلة بين بشار الأسد و«داعش»! أو بين إيران وإسرائيل! أو بين الاستقلال الكردي و«الموت جوعاً».. أو بين دونالد ترامب وكيم جون أون!