مع عطلة الأضحى، هدأت السجالات السياسية في لبنان، وهدّنت المعارك العسكرية في سوريا، وصحّ ما يقال بأن ما يقرره الكبار يلتزم به الصغار، ولو بعد حين.
والتهدئة في لبنان ليست بعيدة عن أفق الهدنة في سوريا، وعشم اللبنانيين كما السوريين، أن تتحوّل الهدنة بين المتحاربين في سوريا الى وقف دائم لاطلاق النار، مقدمة لاطلاق المبادرات السياسية الحاسمة، لكن المتابعين في بيروت، يدركون ان لا حلّ ثابتاً في سوريا، قبل خروج ايران من جزيرة العرب، وتحديداً من اليمن وما حولها، ليبدأ حديث المصالح في العراق وسوريا ولبنان، لينتهي بتنظيم الخلاف، وثمة قول قديم للنائب وليد جنبلاط عقب زيارة خارجية مآله: عندما يرتاح اليمن يرتاح لبنان…
لكن حتى الآن لا زالت طهران على ترددها، متنقلة من انتظار الى انتظار، انتظار الرئيس الأميركي الجديد في تشرين الثاني، وانتظار امساكه بزمام الأمور بعد فترة زمنية محددة، فالحلف المتين مع الكرملين لا يغني عن بركة البيت الأبيض، وصاحب البيت الأبيض، الحالي أو العتيد، لا يقلقه الوضع الراهن، ولا يزعجه الاستنزاف المدمّر لدول جوار الربيب الاسرائيلي.
في هذا الوقت، المناخ اللبناني على درجته من الاستقرار السياسي، مع احتمال بعض الخروقات السطحية. على مستوى ما حصل مع الوزير السابق وئام وهاب أو له، على خلفية تورّط أحد محازبيه بالقاء متفجرة في مجدل عنجر، لكن الرئيس سلام ازداد اطمئناناً بعد زيارة سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا له وتقديمهم جرعة الدعم في ذروة حاجة حكومته اليها، بعد هجمة المقاطعة، من وزراء الثامن من آذار.
وفي تقدير المتابعين ان عطلة الأضحى السياسية قد تستمر حتى ٢٨ أيلول، موعد الجلسة الخامسة والأربعين لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث يفترض أن يكون رئيس الحكومة عاد من اجتماعات الدورة الجديدة للأمم المتحدة، وربما عاد أيضاً الرئيس سعد الحريري بحدود العشرين من هذا الشهر، حيث يراهن الرئيس نبيه بري على حلحلة الكثير من الاشكالات الشكلية ما يضع لبنان على لائحة الانتظار الآمن.
وربما كان لنشر اليافطات الترحيبية الموقعة باسم انصار الرئيس رفيق الحريري في بعض المناطق، وخصوصاً في اقليم الخروب، جزء من التمهيد لهذه العودة، وبالتالي رداً على الكثير من الاستنتاجات والتحليلات، لكن ما بدا مؤكداً ان بعض اوساط تيار المستقبل ارتاحت لموقف المرشح الرئاسي سليمان فرنجيه من الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، حيث عاد وزيره روني عريجي الى صف حزب الله والتيار الوطني الحر في مقاطعة جلسة مجلس الوزراء، ما وفّر للمستقبليين الذين تحفظوا على دعم رئيس التيار لترشيح فرنجيه، فرصة ما يمكن وصفها بالشماتة.
وتقول مصادر هؤلاء، ان مجرد الايعاز لوزير المردة بمقاطعة جلسة مجلس الوزراء، المدعومة من تيار المستقبل، عكس قناعة النائب فرنجيه، بأن طريقه مع الحريري بلغ آخره.
واقع الحال ان الشغور الرئاسي بات بمثابة الشوكة في حلوق المعرقلين من رؤساء الكتل النيابية، الذين عناهم البطريرك بشارة الراعي في عظته العاقورية امس. ومثل هذا النوع من الاشواك يتطلب اقتلاعها ارادة صلبة وجرأة عالية، ووطنية مجردة عن التبعية والانانيات.
ومثل هذه المواصفات لا تبدو متوفرة في الأسماء السياسية المتداولة بالبورصة الرئاسية، حتى الآن، لكن المنطق السليم يفترض ترك هامش للمفاجآت.