والدولار على أعتاب 5 آلاف ليرة.. و«التحاصص» عنوان كبير
لا ينتظر اللبنانيون من الحكومة أقوالاً، بقدر ما ينتظرون أفعالاً تنقذهم من هذا الواقع المأساوي الذي وجدوا أنفسهم فيه منذ أشهر، بحيث أن تداعيات جائحة «كورونا» زادت الوضع تعقيداً، في موازاة الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي فرض نفسه في شهر رمضان ، مع تفلت سعر صرف الدولار الأميركي من أي قيود ووصوله قبل أيام قليلة عتبة الخمسة آلاف ليرة، وهو ملف مفتوح على المجهول، رغم كل التدابير التي تم اتخاذها، لكنها وللأسف لم تقنع أحداً، بدليل استمرار صرف الدولار مرتفعا مقابل الليرة، بانتظار أن يترجم حاكم مصرف لبنان رياض سلامه كلامه، بالتدخل في الأسواق المالية لحماية العملة الوطنية، وبما يخفف حجم المعاناة عن كاهل اللبنانيين .
وإذا كان رئيس الحكومة حسان دياب يرى أن حكومته بعد مائة يوم على ولادتها قد أنجزت ما يقارب 97 بالمائة من بيانها الوزاري، فهذا لا يعكس مطلقاً واقع الحال على الأرض، حيث تفاقمت الأزمة الاقتصادية الاجتماعية على نحو غير مسبوق، في ظل عجز الوزارات المعنية عن التصدي للغلاء الفاحش في الأسعار الذي فاق كل الحدود، أمام جشع التجار وغياب إدارات الدولة التي تقع على عاتقها مهمة المحاسبة والمراقبة. فلم يحصل أن تم توقيف تاجر واحد من الذين ارتكبوا الفظائع بحق المواطنين الذين عانوا الأمرَّين من ارتفاع الأسعار بشكل خيالي. ورغم توقيف القضاء لعدد من الصرافين الذين ثبت تلاعبهم بسعر صرف العملة الخضراء، فإن سعر صرف الدولار استمر في الارتفاع دون أن تتدخل السلطات النقدية المعنية للسيطرة على الموقف، ووضع حد لهذا الارتفاع غير الطبيعي.
وفي الوقت الذي تتواصل المفاوضات التي تجريها الحكومة مع صندوق النقد الدولي، فإن المعلومات المتوافرة لـ«اللواء» من أوساط اقتصادية، لا تحمل على التفاؤل كثيراً بشأن إمكانية استجابة الصندوق، للمطالب التي تقدم بها لبنان، لأن هناك ملاحظات لديه على نقاط في هذه الخطة، ولم يحصل على إجابات مقنعة عن الأسئلة التي تقدم بها للحكومة، في وقت لا تحظى الخطة بالتوافق الداخلي المطلوب التي يجعل منها ورقة قوية في هذه المفاوضات، خاصة وأن جمعية مصارف لبنان وصل بها الحال إلى وصف الخطة المذكورة بأنها بمثابة «كارثة» على الاقتصاد اللبناني. وهذا الأمر بالتأثير سيترك تداعياته السلبية على موقف لبنان في المفاوضات مع «النقد الدولي».
ومما يثير الكثير من التساؤلات عن جدية الحكومة في السير على طريق الإصلاح، ما أثارته خطتها لمعالجة أزمة الكهرباء المستعصية على الحل، من انتقادات واسعة داخل مجلس الوزراء الذي لم يوافق على مطلب رئيس تكتل «لبنان القوي» المزمن جبران باسيل بإقامة معمل للإنتاج في سلعاتا البترونية، لكن رغم هذا الرفض فإنه جرى الالتفاف على ذلك، حيث أن الاتجاه هو للسير بهذا المشروع الذي يدور حوله خلاف كبير، سيهدد الحكومة جدياً في المرحلة المقبلة. ما جعل الكثيرون يشككون بنوايا الحكومة الإصلاحية، ويؤكدون أن النائب باسيل لا زالت ملائكته حاضرة في مجلس الوزراء، وأن لا شيء يمر في ما يتصل بقطاع الكهرباء دون موافقته. وبالتالي عن إصلاح يتحدث أهل الحكومة، فيما لا زالت التشكيلات القضائية التي أعدها مجلس القضاء الأعلى حبيسة الأدراج، فيما التعيينات الإدارية عالقة بسبب الخلافات على «التحاصص» بين أهل الحكم، في وقت كاد يتسبب رئيس الحكومة بتفجير مجلس الوزراء الذي يجب أن يكون الأحرص على بقائه متماسكاً، بعدما هدد وزراء الأرثوذكس بالاستقالة، إن أصر الرئيس دياب على تجاوز رأي متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة الذي رفض تعيين مستشارة دياب بترا خوري التي أنقذته بانسحابه، في منصب محافظ بيروت.
لكل ما تقدم، لا تبدو الصورة الحكومية كما يروج لها بعد مائة يوم على تشكيل الحكومة، في حين تزداد الخشية على المستقبل، عندما يبشر الرئيس دياب اللبنانيين بأن بلدهم مقبل على مجاعة. وهذا مؤشر خطير على ما ينتظر لبنان في المرحلة المقبلة، في ظل التداعيات المرتقبة لوباء «كورونا» الذي يتهدد الشعب اللبناني بالتفشي على نطاق واسع، بعد الارتفاع المقلق للغاية في أعداد المصابين، ما يحتم على الحكومة القيام بكل الخطوات المطلوبة على أكثر من صعيد، من أجل حماية المواطنين والتخفيف من معاناتهم المتفاقمة على مختلف الأصعدة الاجتماعية والمعيشية، والمبادرة إلى خطوات إصلاحية جدية توحي بالثقة وليس العكس، بعدما قاربت الأمور الخطوط الحمر.