Site icon IMLebanon

جولة على وقْع “موديز”

 

تتّجه الأنظار إلى زيارة رئيس الوزراء على رأس وفد حكومي إلى الإمارات العربية. لبنان بحاجة إلى إعادة الربط مع عمقه الإقتصادي ومع دول الخليج تحديداً. هذه الأخيرة وبغض النظر عن أي اعتبار سياسي وإنطلاقاً من منظور إقتصادي بحت، تمثل الجزء الأكبر من سوقه السياحي، وحصة وازنة من التدفقات المالية والإستثمارات الوافدة إليه، ووجهة أساسية لصادراته، وأخيراً وليس آخراً مصدراً أساسياً لتحويلات اللبنانيين من الخارج والذين في قسمهم الأكبر يعملون على أراضيها. بإختصار تشكل دول الخليج الرئة الإقتصادية للبنان والداعم الأساسي لميزان مدفوعاته. وإنطلاقاً من هذه النقطة تحديداً ترتدي الزيارة أهمية قصوى.

 

من اطّلع على التقرير الأخير لوكالة “موديز” الصادر منذ أيام (تشرين الأول 2019) لتبين له أن الأمل الوحيد لتجنب تخفيض إئتماني إضافي للبنان تكون تداعياته كارثية على البلاد والعباد، يكمن في عاملين:1- إطلاق إستثمارات “سيدر” 2-أو/ و مساعدة مالية من قبل أصدقاء.

 

لم يغفل تقرير “موديز” الإشارة الى أن لبنان كان على موعد في الماضي مع مساعدة من هذا النوع ومن دول الخليج تحديداً إنتشلته من مأزق إقتصادي. وهنا لا ضير من التذكير أن المملكة العربية السعودية ضخت في الدورة الإقتصادية اللبنانية أكثر من 70 ملياراً ما بين 1995 و 2015 (الشرق الأوسط، شباط 2016). مصدر القلق وفق “موديز” هو تراجع الودائع وانحسار إحتياطي العملات الخارجية. الأمر الذي يتطلب وبشكل طارئ مدّ القطاع المالي بكمية من النقد بالعملة الصعبة، تضخ فتسمح للمصرف المركزي تعزيز إحتياطه بالعملات الخارجية، دعم العملة الوطنية بما تعنيه من حماية للقدرة الشرائية للمواطن اللبناني، وتلافي تخفيض إضافي من قبل وكالات التصنيف.

 

حتى لو دارت محركات “سيدر” جميعها اليوم وبسحر ساحر وتمّ الإفراج عن الإصلاحات المنشودة، يبقى أن المردود الإيجابي على الإقتصاد اللبناني وبخاصة على المستوى المالي والنقدي قد يتطلب بعض الوقت، سنتين أو سنة ونصف السنة بالحد الأدنى كي تترجم الإستثمارات نمواً وملاءة مصرفية. فكيف بالحري إذا بقيت “سيدر” عالقة في الصراع الدائر ما بين فرقاء نظام المحاصصة حيث أصبح لكل إصلاحه، أولوياته وخطته الإنقاذية، بينما الإصلاحات راوح مكانك.

 

فهل يتمكن الحريري من انتزاع وديعة مالية جديدة من دول صديقة كما حصل في السابق؟ وماذا في جعبته ليقدمه لها؟ الصداقة وكلمات الود وحدها لا تكفي. العلاقة حتى ما بين الأصدقاء تبنى على المصالح المشتركة. نعم كانت هناك مصلحة عربية ودولية وما زالت في استقرار لبنان وبقائه في محور الإعتدال. وحتى كان هناك هامش من التسامح مع لبنان الجانح في المقلب الإيراني بسبب وجود “حزب الله” وفائض قوته العسكرية. كان هذا ما قبل حرب اليمن، واشتداد الصراع مع إيران.

 

أما اليوم فمن الصعب التصديق أن دول الخليج سوف تساعد لبنان “على العمياني” أي من دون حد أدنى من الضمانات التي تتعلق بأمنهم ومصالحهم، بخاصة مع احتدام الصراع مع إيران ودخول “حزب الله”، الطرف الوازن في الحكومة اللبنانية على خط هذا الصراع. فهل يستطيع الوفد الحكومي ملاقاة الطرف الصديق في مطالبه والأهم ضمانها. المطلوب من لبنان ليس الكثير، هو العودة إلى نفسه فقط… والإبتعاد عن محاور الآخرين.