يحلو لي على عتبة السنة الجديدة، وهي مناسبة لاختراع الأمل، أن أوجّه تحية الى موهوبي هذا العالم وموهوباته: أعني أولئك الساهرين والساهرات على موهبة الشعر، موهبة الموسيقى، موهبة الرسم، والنحت، والرواية، والفلسفة، والسينما، والرقص، والعِلم، والحبّ. الحبّ خصوصاً. كم كانت دنيانا لتكون قاحلة لولا هؤلاء. كم كانت لتكون جرداء وقاسية لو اقتصرت على التجّار، والسياسيين، وصنّاع الموت، والمجرمين، والزعران وسواهم من هذه الطينة.
كم أشعر بالإفتخار والزهو والعزاء عندما أسمع بموهبة تخطّت عراقيل الزمان والمكان والسنّ والنشأة، وتمكنت من إثبات نفسها “على الرغم من كل شيء”.
الموهبة، نعم، الموهبة. فهي تجترح الأعاجيب، وتفتح السدود الإسمنتية المسلحة، وتلغي الجدران، وتقتحم الجبال، وتغور في باطن الأودية، وتجتاز المسافات، وتزوّج المستحيل، واللامرئي، والمعتم، وتجعل كل شيء ممكناً.
ما أقوله في هذا الصدد حدث ويحدث أمامي، وفي كل مكان من جهات العالم الأربع. ذلك أن ثمة معجزات إبداعية، بشرية، هي العبقرية بنفسها، وقد لا تكون تحتاج الى العلوم والمدارس والجامعات لكي تكتب أو تخترع أو ترسم أو تدوزن الموسيقى، بل هي تنجز أعمالاً عظيمة من تلقاء نشأتها وطبعها وعجينتها، فكأنها يد الخالق قد صارت في أيدي هذه الكائنات البشرية الاستثنائية. يحاول البعض أن يكشفوا أسرار تلك المواهب، وأن يفسّروها، وأن يربطوها بحجم الدماغ حيناً، أو بعوامل أخرى، وراثية مثلاً، أو بيئية، حيناً آخر، لكنهم يكتشفون ان هذه التفسيرات سرعان ما تصطدم بطبيعة الموهبة / المعجزة التي لا قوانين لها.
طبعاً، هذا هو الاستثناء. لكن الاستثناء مدعاة للتفكير في هذا السرّ العظيم الذي قد يكون أحياناً أقوى من العلم والمعرفة. بل قد يكون هو العلم والمعرفة بالذات، وقد صارا في متناول الدماغ الموهوب من دون أيّ جهد عملاني يُذكر.
ترى، ما هذا السرّ الذي يظل سرّاً؟
كنتُ ذكرت في ما سبق موهبة الحبّ. وهي موهبة بالتأكيد. أليست الشرارة/ المعجزة التي تصنع حبّاً عظيماً شبيهةً بالشرارة/ المعجزة التي تصنع أدباً عظيماً؟ فليفسّر لي أحدٌ من العلماء كيف لنظرة واحدة بين رجل وامرأة أن تصنع ما لا يستطيع الدهر كلّه أن يصنعه؟
أجل، يحلو لي في بداية هذه السنة الجديدة أن أوجّه تحية الى خلّاقي هذا العالم وخلّاقاته، عاشقيه وعاشقاته، وهم أنفسهم خالقوه وخالقاته، كهنته وكاهناته.
لولاكم لما كان حلم. أقول الحلم، وأعني، طبعاً، الحياة.