يطلّ العيد الـ 73 لاستقلال لبنان وسط انفراجات داخلية حملت إلى رئاسة الجمهورية الرئيس العماد ميشال عون عنواناً لمرحلة إيجابية تعبر في مسارها التراكمي عن نضوج وطني استطاع أن يهضم من خلال مخاضٍ طويل وعسير كل المعوقات وأن يصل إلى قناعة أساسية تتمثل في الرضوخ التام لتقديم مصلحة الوطن وأولوياته الفعلية، على كل الأولويات الأخرى في ظل الاهتزازات التي تعصف بالكثير من أوطاننا المحيطة والتي تشكل خطراً داهماً ومتواصلاً.
من هنا، تمكن لبنان من اجتياز محنة صعبة وكرّس بانتخاب العماد عون، أحد وجوه تثبيت الاستقلال، الذي هو بدوره تثبيت لوجود لبنان وصيغته السياسية، كما تمكن من الخروج منتصراً بقوة شعبه وجيشه ومقاومته، واستحقّ بجدارة أن يحتفل بعيد استقلاله الـ 73.
ومن طبيعة الأمور أن نستذكر هذه المناسبة الوطنية كل أولئك الشهداء والمضحين الذين عملوا على نيل الاستقلال والوصول إليه، إن ديمومة الاستقلال كانت على الدوام وخلال الأعوام الطويلة معرضة لمخاطر حقيقية عايشتها الأجيال المتوالية، وسببت اضطرابات عميقة، كانت تؤثر على المجال الحيوي اللبناني الوطني ومتفرعاته الاجتماعية والسياسية، ولم يكن بالإمكان تجاوزها أو الخروج من تأثيراتها، إلا حين امتلك لبنان البعد المفقود والمقوّم الراسخ في بناء الأوطان، ألا هو القوة الرادعة التي تشكّل حاجزاً ورادعاً في وجه العدو الصهيوني الذي يشكل بكل أبعاده نقيضاً وجودياً للبنان ولصيغته ووجوده.
لقد استطاعت المقاومة بعملها الدؤوب وإصرارها وتواصل عطاءاتها أن تجسد هذا البعد المفقود، وأن تجري تحويلاً جذرياً وأن يصبح لبنان البلد الحر المستقل، السيد، القوي الثابت والنموذج القدوة، وأن تطرد الخطر الصهيوني وأن تقضي على أي إمكانية للتأثير في لبنان الدولة والوطن.
لقد شكلت قاعدة الجيش والشعب والمقاومة ركناً تأسيسياً ومنعطفاً تاريخياً في معاني وأبعاد الاستقلال. إن هذا الأمر لم يكن طارئاً أو مرحلياً، بل مستداماً، وجاءت التطورات التي تشهدها المنطقة لتأكيد نجاعة هذا الخيار وضرورته، وذلك أن مستجدات الخطر التكفيري على لبنان، وهو بشهادة جميع اللبنانيين خطراً وجودياً على تكوين لبنان وبقائه ما كان بالإمكان تجاوز مطباته ومخاطره، لولا وجود ركن القوة الثابت في الاستقلال اللبناني «الجيش والشعب والمقاومة».
يدرك الجميع أن فقدان هذه القوة كان يعني بالضرورة تمكّن التكفيريين من استباحة لبنان والتعدّي على اللبنانيين واسترقاقهم وسبيهم وقتلهم، وتغير هذا الشرق بطوائفه ومذاهبه وأقلياته وإثنياته، ونشر مفاهيم موغلة في وحشيتها ولا إنسانيتها.
إن الحفاظ على وطننا لبنان واستقلاله في هذه المرحلة كلف الكثير من الأرواح الغالية للشهداء الأبطال من الجيش والمقاومة ومن الجرحى ومن الأبطال الذي ما زالوا يرابطون في وجه هؤلاء الأعداء للإنسانية والأديان والأخلاق. هؤلاء الأبطال ما زالوا مستعدّين لبذل المزيد من التضحيات والدماء للذهاب بعيداً لمحاربة هذا الوحش وهزيمته من أجل الإنسان والوطن، لهؤلاء الأبطال وللشهداء تنحني الجباه وتلهج الألسنة بالشكر والدعاء لمن أعطونا نعمة الاحتفال بالاستقلال والوطن.
(]) قيادي في «حزب الله»