لا تسود استراحةُ المحارب على جبهة واحدة فبعد انتهاء الانتخابات النيابية بدأ كل طرف بحسابات تشكيل الحكومة والحسابات المتصلة بها، وفي هذا المنحى لم يكن التبريدُ الذي طرأ على علاقة «التيار الوطني الحر» بالرئيس نبيه بري الوحيد، بل ترافق مع تبريد مع «القوات اللبنانية» سيترجم هدنة إعلامية، إلّا إذا استنسب الوزير جبران باسيل استئناف نشاطه في «التنقير» على «القوات» لخفض سقفها في المطالب الوزارية، لكنّ هذا بات مستبعداً.
وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع قد كشف عن لقاء قريب بين الوزيرَين باسيل وملحم رياشي، وفي المعلومات أنّ هذا اللقاء كان يُنتظر أن يُعقد ماراتونياً في تركيا، حيث اضطر الرياشي في اللحظة الاخيرة الى عدم الذهاب لسبب صحي، في رحلة استجمام سياسي يلتقي خلاها بباسيل الذي يشارك في مؤتمر في تركيا، وتشير المعلومات الى أنّ اللقاء سيحصل بعد عودة الاخير، وعلى اجندته البحث في تشكيل الحكومة وانتخابات نيابة رئاسة المجلس النيابي، واستئناف المصالحة، ولو على البارد، بعد أن كادت التعبئة الانتخابية أن تودي بها.
عملياً، ليس لدى التيار أو «القوات» أيّ سبب واقعي لنفض اليد من تحالف معراب على الأقل من حيث الشكل، وعلى رغم كل ما حصل من هجمات متبادلة خلال الانتخابات، فإنّ أحداً لا يريد أن يتحمّل مسؤولية نعي التفاهم امام المسيحيين، وخصوصاً «القوات اللبنانية» التي «قرّشت» قيمة مضافة انتخابية بعد المصالحة تمثلت بانتخاب شرائح مسيحية وسطية للوائحها، لم تكن تتوقع أن تصوّت لها، فيما بدا واضحاً من جهة التيار أنّ اللغة العدائية التي استُعملت ضد «القوات» أتت بنتائج عكسية، خصوصاً في الأيام القليلة التي سبقت الانتخابات، وتُرجم ذلك في أكثر من منطقة، وخصوصاً في كسروان والمتن وزحلة.
في المحصّلة يمكن التحدث عن هدنة «قواتية» ـ باسيلية مرشحة لأن تصمد حتى الدخول الجدّي في طبخة تشكيل الحكومة، ولن تتأثر باستحقاق انتخاب نائب رئيس المجلس النيابي، الذي يتّجه الى معركة اصوات بين النائب ايلي الفرزلي الذي سيعتمد «تكتل لبنان القوي» ترشيحَه رسمياً الثلثاء المقبل، والنائب أنيس نصار الذي رشحته «القوات اللبنانية» بعد أن ضمنت تأييد كتلتي «المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب، وتُجري «القوات» اتصالات مع عدد من النواب المستقلّين ومنهم الرئيس نجيب ميقاتي وكتلته، وحتى مع عدد من أعضاء «تكتل لبنان القوي» ومنهم النائب ميشال معوض، للتصويت لنصار، الذي تُقدّمه على أنه مرشح لموقع كان منذ العام 2005 لقوى 14 آذار، ويفترض أن يبقى لقوى 14 آذار، وعلى هذا الأساس يُنتظر أن ينطلق التصويت لنصار من «بوانتاج» يتجاوز الخمسين نائباً، في حين سينال الفرزلي أصوات «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحلفائه، وبحكم المؤكد فإنّ كتلة الرئيس نبيه بري ستصوّت له، بعد زيارة بري الأخيرة لبعبدا، التي سيليها تطبيع في علاقته مع باسيل.
ويبقى السؤال: الى متى ستستمرّ الجدوى المتبادلة بالهدوء والاستمرار في هدنة «تفاهم معراب»؟ الواضح أنّ إعادة تقييم الأرباح والخسائر لدى الطرفين بعد الانتخابات قد انطلقت، وفي ظلّ عدم وجود ضرورة لمعركة تعبئة كالتي خاضها باسيل، وفي ظلّ عدم وجود معركة رئاسية آنية، فإنّ محطة تشكيل الحكومة ستكون الاساس، وهي ستجري على ايقاع استعادة الحرارة الـ 14 آذارية بين «القوات» والحريري، وربما لاحقاً مع النائب وليد جنبلاط، ولو في حدود مرسومة، وهذا كله سيؤدّي الى رسم توازنات جديدة في عملية التشكيل، وربما قد يطيل هذه العملية إذا ما تعذّر على الحريري تلبية المطالب الصعبة للأطراف، أو تجاوز الممنوعات التي رسمها القرار الاميركي والسعودي المشترك بتصعيد الحصار على «حزب الله».