IMLebanon

صراع أميركي ـ روسي ـ تركي على مستقبل إدلب

 

أثناء زيارته الأوروبية غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب قائلاً: «سمعنا أن روسيا وسوريا وبدرجة أقل إيران تقصف محافظة إدلب في سوريا وتقتل دون تمييز المدنيين. العالم يشاهد هذه المجزرة؛ فما الغرض منها؟».

تدهورت الكارثة الإنسانية في إدلب منذ شهور، وهي تتبع استراتيجية مألوفة وفعّالة للرئيس السوري بشار الأسد مع التشبث بالسلطة. الجيش السوري يحاصر مقاتلي المعارضة في منطقة واحدة وينسّق مع القوات الجوية الروسية، ويهاجم المدنيين تحت ذريعة محاربة التطرف؛ في انتهاك واضح لاتفاق وقف إطلاق النار، ثم يسترد تدريجياً الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.

لجأ نظام الأسد إلى هذه الاستراتيجية لاستعادة حمص، وحلب، والغوطة الشرقية، ودرعا، لذلك فإن اللامعروف في إدلب هو الوقت الذي يحتاجه النظام لاستعادتها والناس الذين سيموتون في هذه الحالة. تمثل الأحداث في إدلب ديناميكية أساسية للنزاع السوري الأوسع.

إن الخلاف بين الغرب ونظام الأسد وداعميه الإيرانيين والروس حول مستقبل سوريا، إلى جانب النفوذ الغربي المحدود على الأرض، مكّن النظام من أخذ ما يريده بالقوة، بينما تلجأ المعارضة المفككة وبشكل متزايد إلى التكتيكات المتطرفة. لكن الصراع في إدلب مختلف، والمخاطر بالنسبة لكل الأطراف الفاعلة هناك أعلى مما كانت في المعارك السابقة، ثم إن النظام وتقارب المصالح بين مؤيديه يحفزهم على اتخاذ نهج عدواني على الأرض؛ إذ يرى الأسد في معركة إدلب فرصة للسيطرة على ممر سوريا الشمالي بأكمله والتمتع بالمزايا التجارية التي ستحدث مع حدود مفتوحة على تركيا. وتشعر روسيا بالحاجة لتقليل تهديد مسلحي إدلب لقاعدتها الجوية في حميميم بمحافظة اللاذقية المجاورة. أما إيران فتراها فرصة لتعزيز نفوذ «حزب الله» ونفوذها في الشمال الغربي. أما المعارضة المسلحة فإن التهديد بفقدانها المساحة الأخيرة من الأراضي، غير المنطقة الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية»، سيدفع الجماعات المعتدلة والراديكالية فيها إلى العمل معاً في المعركة لمقاومة غارات النظام وحلفائه.

يقول محدثي الغربي: الطرف الوحيد الذي لديه حافز لتغيير ما قد يكون صراعاً قوياً ومروعاً هو تركيا. تخشى أنقرة من أن يؤدي هجوم النظام على إدلب إلى تدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى الأراضي التي تسيطر عليها في شمال إدلب، وربما إلى تركيا، وتخشى أيضاً من أن يؤدي سقوط إدلب إلى نهاية النفوذ التركي في شمال غربي سوريا.

إن مصالح تركيا لتغيير مسار معركة إدلب واضحة، لكن الوسائل للقيام بذلك غير واضحة، قد تحاول تركيا وقف تقدم قوات النظام بزيادة دعمها العسكري للمقاتلين المتحالفين تحت راية «جبهة التحرير الوطني». وكان هؤلاء استعملوا صواريخ «تاو» وقدرات جديدة وفّرتها تركيا لدحر قوات النظام في كفر نبودة وفي أماكن أخرى. قد يبطئ تسليح المقاتلين سيطرة النظام على إدلب، لكنه لن يمنع حدوثها، ولن تستطيع أنقرة ترجمة دعمها للمعارضة بالسيطرة الكاملة على إدلب. لقد فشلت تركيا في إزالة مقاتلي «هيئة تحرير الشام (القاعدة)» من المنطقة المنزوعة السلاح التي وافقت على إنشائها في سبتمبر (أيلول) 2018، لذلك فإن تعزيز قدرة المسلحين على قتال النظام لن يؤدي إلا إلى إطالة العنف، وزيادة الخسائر في صفوف المدنيين، وتصعيد التوترات مع روسيا، وتعزيز عزم المقاتلين تطرفاً… والتي تشكل تهديداً للأمن التركي.

يضيف محدّثي: الطريقة الفعّالة لأنقرة من أجل حماية مصالحها في إدلب هي التطلع إلى روسيا بدلاً من علاقاتها مع المقاتلين، لإعادة التفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في سبتمبر 2018. إن روسيا في حاجة إلى تركيا لمواصلة مشاركتها في محادثات آستانة التي تقودها موسكو حول مستقبل سوريا، وإعطاء الشرعية للمبادرة الروسية، ودعم رواية موسكو بأن روسيا، على عكس الغرب، قادرة على تحقيق الاستقرار هناك.

يقول: سوف تحتاج روسيا أيضاً إلى مساعدة تركيا لإعادة الإعمار في شمال سوريا في المستقبل؛ هذا إذا توفّر المال. خارج سوريا، تحتاج روسيا إلى تركيا لإكمال عملية شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي «إس – 400»، الذي ترى فيه روسيا تحقيقاً لهدفها في خرق العلاقة الأميركية – التركية، وتحتاج روسيا إلى تركيا لمواصلة استيراد الغاز الطبيعي، وأن تصبح قريباً مركزاً للغاز الروسي المتجه إلى أوروبا. هذه تشكّل وسائل ضغط تركية على روسيا لوقف إطلاق النار، كما يمكن أن تشمل عناصر أخرى لـ«وقف إطلاق نار جديد»، تعهدات من تركيا وروسيا بتعزيز آلية مراقبة الانتهاكات في كل أنحاء إدلب، وزيادة التعاون الاستخباراتي لتحديد عناصر «هيئة تحرير الشام»، للاستهداف المشترك، وتوسيع المنطقة المنزوعة السلاح لتشمل أجزاء من الطرق السريعة الرئيسية لإدلب. وفي المقابل؛ تتعهد تركيا بالتوقف عن تقديم الدعم العسكري لقادة إدلب الذين عملوا مع «هيئة تحرير الشام»، وقطع العلاقات التجارية مع الكيانات المرتبطة بالهيئة في إدلب، مقابل ضمانات بأن روسيا والجيش السوري لن يستهدفا المستشفيات.

لن يكون من السهل الحفاظ على مثل هذا الترتيب نظراً لكثير من المفسدين المحتملين على الأرض في إدلب، كما أنه لن يغير حقيقة أن نظام الأسد سوف يسترد إدلب عاجلاً أم آجلاً، لكن من شأن هذا أن يقلل من احتمالية وقوع إصابات جماعية على المدى القريب، ويوفر مساحة يمكن أن يظهر فيها ترتيب تفاوض دائم بشأن مستقبل إدلب، وهذا أمر ينبغي أن يشمل الجهات المدنية المدعومة من تركيا في المدينة.

إن «صفقة سوتشي» في سبتمبر 2018 دليل على أن تركيا وروسيا، رغم المنافسة في رؤيتيهما لمستقبل إدلب، يمكنهما التوصل إلى طريقة قادرة على خفض معدلات الإصابات، والعمل لوضع أساس للمناقشات السياسية.

يعرف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كيف يعيش وكأنه لا أزمات تعصف ببلاده وطموحاته… يكون شاهداً على زفاف لاعب كرة القدم مسعود أوزيل في الوقت الذي أعلن فيه البنتاغون وقف تدريب الطيارين الأتراك على استخدام طائرات «إف 35»… تصل أسلحته إلى ليبيا وعيناه على نفطها… يخسر حزبه بلدية إسطنبول فيقرر إعادة الانتخابات. يقول إنه رجل يلتزم بكلمته؛ طبعاً تاركاً لها هامشاً لتفسيره الخاص. يعتقد أنه لا غنى للولايات المتحدة عن بلاده. لكن، وكما يقول مصدر أميركي، في حالة إدلب، تعرف واشنطن كيف تضغط على أنقرة وتدفعها للبدء في مفاوضات مع موسكو بشأن وقف جديد لإطلاق النار يمكن أن يمنع إدلب من أن تصبح حمص أو حلب أو الغوطة الشرقية أو درعا… وكلها مآسٍ سجّلها التاريخ بدماء أبريائها.

المشكلة الحقيقية أن دولتين بالتحديد أينما تدخلتا نشرتا الدمار والقتل؛ هما: تركيا وإيران.