IMLebanon

صدام سياسي عنيف يلوح في الأفق

 

 

أيام معدودة وتسدل الستارة على الانتخابات النيابية، مع كل الحماوة التي رافقت الحملات الانتخابية والاخطاء والتجاوزات والانتهاكات الكثيرة التي تضمنتها، ما أعطى انطباعات واستنتاجات سلبية، لا بل قاتمة، عن أول تطبيق للقانون الجديد.

ولم تكن الانطباعات السلبية متعلقة فقط بطريقة تطبيق القانون او ادارة العملية الانتخابية، بل انّ التحالفات الانتخابية الهجينة وغموض العناوين والاهداف السياسية وغياب الوضوح في الوظائف المطلوبة في المجلس النيابي المقبل، كل ذلك أرخى ضبابية على المشهد الانتخابي. ولا شك في انّ محاكاة الاستحقاق الرئاسي المقبل شكلت عنواناً رئيساً لمعظم القوى المشاركة، ولو انها تحاشت وتَجنّبت الافصاح عنه والمجاهرة به.

صحيح انّ المجلس النيابي المقبل من المفترض ان تنتهي ولايته قبل دنو موعد الاستحقاق الرئاسي، إلّا انّ احتمالات ثلاثة قد تعطي المجلس النيابي المقبل حق انتخاب الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية، وهي:

أولاً – المفاجآت غير المحسوبة والتي لا تخضع لحسابات جامدة.

ثانياً – إحتمال استقالة رئيس الجمهورية لأسباب طارئة ومُلزمة يبقى تقديرها في يد الرئيس وحده، والذي قد يفضّل في مرحلة ما تأمين وصول خليفة له الى قصر بعبدا يشكّل امتداداً لسياسته كما كان قد صرّح لإحدى وسائل الاعلام الاجنبية منذ نحو سنة بأنه لا يفكر في التمديد، بل في تأمين وصول شخص يكون استكمالاً لنهجه.

ثالثاً – التمديد للمجلس النيابي المقبل وهذا احتمال مطروح كل لحظة في لبنان، خصوصاً انّ المجلس النيابي الحالي مَدّد لنفسه ثلاث مرات مُعلّلاً قراره بأسباب واهية وغير جدية، بالتأكيد فإنّ التمديد هنا مرتبط برضى القوى والكتل السياسية الاساسية على التوازنات النيابية التي ستفرزها صناديق الاقتراع.
صحيح انّ القوى المسيحية مهتمة مباشرة بالحسابات الرئاسية مع وجود ثلاث مرشحين موارنة مبدئياً، وهم: جبران باسيل وسمير جعجع وسليمان فرنجية، الّا انّ القوى الاساسية لم يكن اهتمامها أقل شأناً لأسباب عدة، أبرزها على الاطلاق المعادلة الجديدة التي رَسَت عليها عملية انتخاب رئيس للجمهورية.

إذ بعد 2005 بدأت قواعد اللعبة تتبدّل بحكم خروج الجيش السوري من لبنان، ووصل العماد ميشال سليمان نتيجة مزيج من الواقع الجديد المتفجّر في الداخل اللبناني والتأثير السوري الذي كان ما يزال كبيراً على لبنان، فتمّ اختيار قائد الجيش الذي كان ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية تحت مظلة إقليمية جديدة. وشكّلت هذه المرحلة فترة انتقالية.

ولكن مع العماد ميشال عون رَست قاعدة جديدة أعطت العامل الداخلي حيّزاً اساسياً وكبيراً سمحَ لعون بدخول قصر بعبدا. وهذه القاعدة الجديدة كانت حاضرة في طريقة ترتيب اللوائح الانتخابية ورسم معارك تحديد الاحجام. لكنّ الواقعية تفرض الإقرار بأنّ العامل الداخلي يفرض التوافق المسيحي ـ السني – الشيعي، وهنا بيت القصيد.

فسمير جعجع، الذي أظهرَت خريطة التحالفات استمرار الانقطاع بينه وبين «حزب الله»، يعوّل على علاقته الجيدة مع الرئيس نبيه بري وطرح مفهوم سياسي جديد بعد الانتخابات يزيل «فيتو» «حزب الله». كما انّ الهوة الواسعة التي باتت تفصله عن تيار «المستقبل» قابلة للمعالجة من خلال علاقته الوثيقة جداً بالسعودية.

فيما سليمان فرنجية، الذي يُحضِّر لتوسيع حضوره النيابي مباشرة او حتى عبر وجوه نيابية عدة من مختلف المناطق ستفاجىء الجميع، يبدو مطمئناً الى علاقته الممتازة مع الثنائي الشيعي، اضافة الى وليد جنبلاط، وهو قد يكون يراهن ايضاً على «الحرج» الذي قد يحوط بالرئيس سعد الحريري ويمنعه من التنكّر له. أضف الى ذلك العامل السوري، فالرئيس بشار الاسد يكاد يخرج من الحرب منتصراً، ما يعني انه في العام 2018 هو غيره في العام 2011 او 2012، وهو ما سيظهر في المجلس النيابي المقبل لجهة وصول نواب محسوبين عليه، أضف الى ذلك أنّ فرنجية هو أقرب المرشحين الرئاسيين اليه.

امّا جبران باسيل فهو نجح في حياكة علاقة وثيقة مع الحريري وفريقه، وقيل انّ الحريري ساعده في تقريب المسافة مع القيادة السعودية، وزيارته الاخيرة في إطار القمة العربية تحمل كثيراً من هذه المضامين. لكنّ العلاقة مع بري بقيت سيئة، وأضيف اليها كثير من اللغط في علاقته مع «حزب الله». باسيل الذي يدرك انّ احدى أهم نقاط قوته هي تبنّي رئيس الجمهورية له، كان قد خرج بأجواء إيجابية من لقاء المكاشفة الاخير الذي عقده مع الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله. لكنّ علاقة «الحزب» بعون شيء وعلاقته بباسيل شيء آخر.

وخلال ترتيب التحالفات الانتخابية وتركيب اللوائح راقبَ «حزب الله» معاني وخلفيات الحركة الحاصلة من الزاوية السياسية، وعلى اساس انّ ما حصل لم يأت اعتباطياً. ولكن قبل كل ذلك لا بد من لملمة آثار المواجهات الانتخابية لتجاوز الاستحقاقات الآتية وسط العقبات الكبيرة الموجودة. فبعد صدور النتائج، سيحصل لقاء بين السيد نصرالله وباسيل وستكون خطوط التواصل عبر القنوات المعتمدة مفتوحة على مصراعيها بين قصر بعبدا والامين العام لـ «حزب الله». والهدف من ذلك وضع دروس الاستحقاق النيابي على طاولة التشريح، والعمل على وضع خطة لتدوير الزوايا وإيجاد عناوين تفاهم جديدة بين باسيل من جهة وكل من بري وسليمان فرنجية من جهة ثانية.

إستحقاقا رئاسة مجلس النواب وتسمية رئيس للحكومة شبه محسومين، الاول لبري والثاني للحريري. لكن المشكلة الكبرى هي في طريقة تشكيل الحكومة الجديدة وفق مفهوم ملائم وركائز سياسية جديدة، بعدما أصبح التفاهم الذي ساهمَ في ولادة الحكومة الحالية في حكم المنتهية صلاحيته، كونه واكب تسوية انتخاب عون.

امّا المرحلة الحالية فهي مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية وما قبل استحقاقات أخرى. ووفق الاجواء السائدة، فإنّه من الطبيعي تَوقّع حصول تأخير في ولادة الحكومة. لذلك، فإنّ مهمة تدوير الزوايا التي سيتولاها «حزب الله» تبدو ضرورية، ولو انها قد تكون غير كافية لوحدها.

فمثلاً ليس سرّاً انّ بري سيعارض حتى النهاية خيار باسيل الرئاسي طالما هو رئيس مجلس النواب، ولكن الجديد انّ «حزب الله» لن يختلف مع بري كما حصل مع خيار عون الرئاسي. والجديد الثاني انّ «حزب الله» متمسّك بتحالفه مع «التيار الوطني الحر» وهذا ما ردّده السيد نصرالله، ولكنه لن يحصر علاقته بالساحة المسيحية بفريق واحد من دون سواه، بل سيوسّع مروحة تحالفاته مع قوى وشخصيات أبدت رغبتها بهذه العلاقة.

بما معناه أنه سيُبادل التحية بالتحية، وهذا سيعني انّ الندوة النيابية ستشهد دخول قوى وشخصيات جديدة سيجري التعاون معها سواء على المستوى المسيحي او السني او الدرزي.

أهمّ العقبات التي ستقف في وجه تسريع ولادة الحكومة ستكون وزارة المال، إضافة الى تمثيل القوى والحصص والحقائب الاخرى.

وعلى رغم من «دَوشة» الحملات الانتخابية، تدور في الكواليس وبين بعض القوى صيَغ للحكومة الجديدة، بعضها يشير الى إسناد حقيبة وزارة الداخلية للطائفة الشيعية على ان يتولاها اللواء عباس ابراهيم، وكذلك ان تدخل السيدة ميراي عون الهاشم الى الحكومة وان تتولى وزارة الطاقة بدلاً من باسيل، عملاً بالقرار الحزبي القاضي بفصل النيابة عن الوزارة.

والسلوك الجديد لـ»حزب الله» انه سيدخل بالتفصيل في الملفات الاقتصادية في الحكومة المقبلة، اي انه سيحاول ان يلعب دور الرقابة الكاملة، ولو انه لا يبدو متمسّكاً او مشترطاً لحقيبة معينة. هو سيكون داعماً لموقف بري اذا تمسّك بحقيبة وزارة المال، وهو ما يبدو واضحاً حتى الآن، وحيث انّ لبري تفسيره الخاص والكامل حول السعي الحاصل لانتزاع حقيبة المال منه وإيلائها الى فريق سياسي آخر.

في اختصار، النزاع حول الحكومة المقبلة سيكون قاسياً والولادة لن تكون سريعة، وفي انتظار ذلك لا بد من قراءة الخريطة النيابية المقبلة لمجلس النواب.