تعتبر زيارة الوفد النيابي الفرنسي الى سوريا ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد بعد ثلاثة أعوام على إغلاق السفارة الفرنسية في دمشق، وفي ظل مقاطعة سياسية وديبلوماسيّة كاملة من الإدارة الفرنسية «ضوءا برتقاليا» أعطته إدارة الرئيس فرانسوا هولاند للحوار مع نظام ما فتئت تصفه بأنّه «فاقد الشرعيّة». ضوء لا يصل حدّ الأخضر لكنّه يتخلّى تدريجيّا عن اللون الأحمر الذي منع أيّ تعاطٍ رسمي فرنسي مع «النظام السوري».
الوفد ترأسه عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ورئيس لجنة الصداقة الفرنسية السورية جان بيار فيال، وضم النائب جاك ميار نائب رئيس لجنة الصداقة الفرنسية السورية، وفرانسوا زوشيتو عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، وباتريك باركاند المفتش العام في وزارة الدفاع الفرنسية والأمين العام للبعثة الحكومية للاتحاد من أجل المتوسط، وجيرار بابت من الحزب الاشتراكي الحاكم، وستيفان رافيون المستشار الأمني في السفارة الفرنسية في بيروت.
وقالت أوساط سياسية لبنانية متابعة إنّ هؤلاء النواب الفرنسيين وسواهم كانوا يزمعون القيام بزيارتهم الى سوريا منذ ثلاثة أعوام إلا ّأنّ الإدارة الفرنسية كانت تمنعهم بحجّة أنّ عليهم الانتظار «لأنّ الأسد سيسقط بعد أسابيع لتتحرّر دمشق كلّيا».
إلا أنّ الرياح السورية لم تسرْ بحسب التمنيات الفرنسية، فأُعطي هؤلاء النواب حرية الحركة، وهم عادوا أمس الأول، من سوريا إلى لبنان حيث استقبلهم، صباح أمس، الى مائدة «الترويقة» المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، خصوصا أنه لعب دورا بارزا في فتح قنوات اتصال بين أكثر من عاصمة أوروبية وبين العاصمة السورية، كما أنه ساهم في فتح قنوات أمنية بين فرنسا وسوريا، قبل أكثر من سنة، ولكن من دون أن تمر عبر السفارة الفرنسية في بيروت (وبطبيعة الحال من خارج «الكيه دورسه»)، حيث تبين أنها تتم بعلم دوائر الأليزيه مباشرة.
وبدا الفرنسيون مهتمين بالاستماع الى رأي ابراهيم في ملف الأزمة السورية والمخاطر الارهابية التي تواجه لبنان ومجريات ملف العسكريين اللبنانيين والدور الذي يلعبه في التنسيق بين عدد من الأجهزة الأوروبية والسورية. وبدا الوفد الفرنسي متحمسا لعقد جلسة مغلقة في مجلس الشيوخ الفرنسي مع ابراهيم على هامش زيارة الأخير الى العاصمة الفرنسية منتصف آذار المقبل.
كذلك التقى الوفد الفرنسي مسؤول العلاقات الدّولية في «حزب الله» السيّد عمّار الموسوي نظرا الى التماس المباشر لـ «حزب الله» مع الواقع السوري.
وغادر الوفد بيروت، أمس، عائدًا إلى باريس، ومن المتوقع أنّ يشكل هؤلاء النواب قوّة ضغط على إدارة الرئيس هولاند وهم سيرفعون تقريرًا مفصَّلا عن زيارتهم السورية واللبنانية إلى مجلسَي النوّاب والشيوخ الفرنسيين.
الاسد: تريثوا قليلا..
وتشير أوساط سياسية لبنانية متابعة عن كثب لزيارة الوفد الى سوريا الى أنّ هؤلاء النواب نقلوا الرسائل التالية الى الرئيس الأسد ومن التقوهم من مسؤولين سوريين:
÷ ضرورة القيام بإصلاحات في سوريا، (تلقوا جوابا من الأسد بأن يتريثوا قليلا ريثما تنجلي المعارك الدائرة مع الإرهابيين).
÷ ضرورة حصول تعاون مباشر بين الاستخبارات في البلدَين من أجل مكافحة ظاهرة المقاتلين الأجانب.
أما الرسائل السورية التي حملوها الى باريس فهي الآتية:
÷ سوريا مستعدّة للتعاون الأمني والاستخباري مع فرنسا بشرط ألا يبقى مستترا، أي ألا يبقى «تحت الطاولة»، وأن يترافق مع إعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسيّة والسياسيّة بين البلدين (اعادة فتح السفارات وعودة الموظفين اليها).
÷ برز حديث سوري صريح بأنّ سوريا تعرّضت لمؤامرة غربية شاركت فيها بعض الأنظمة العربية، وقد أسهمت فرنسا إسهاما رئيسيا في محاولة إسقاط النظام السوري، وهي أخطأت بحساباتها، وبالتالي عليها وقف أي شكل من أشكال الدّعم للأطراف المناوئة للنظام سواء بالتدريب أو التسليح أو التمويل، وقد أثبتت هذه الأطراف أنها متطرّفة ولا يركن إليها.
وقد لاقت الفكرة الأخيرة أرضا خصبة عند النواب الفرنسيين المقتنعين أصلا بأنه لا توجد معارضة ديموقراطية في سوريا تشكل بديلا عمليا وواقعيا للنظام السوري.
واثار الوفد الفرنسي ايضا موضوع الأكراد السوريين وطلبوا من الأسد الانفتاح والحوار مع الأكراد وبالتالي التنسيق المشترك بين الجانبين في مواجهة خطر «داعش»، علما أنه يوجد لوبي كردي يعمل بقوة على هذا الموضوع في فرنسا
جوّ فرنسي مؤيّد للزيارة
في الإطار عينه، كشفت أوساط سياسيّة فرنسيّة واسعة الإطلاع لـ «السفير» أنّه بالرغم من الطابع غير الرّسمي للزيارة، فإنها لم تكن لتتم لو وضع عليها ضوء أحمر من السلطة السياسية الفرنسية أو أي «فيتو» من وزارة الخارجية الفرنسيّة.
وأشارت الاوساط الى أنّه من الناحية الرّسمية نأى «الكيه دورسه» بنفسه عن زيارة النواب، معتبرة أنهم قاموا بها بشكل شخصي، لكنّ هذا النأي هو في الواقع «ضوء برتقاليّ» يتيح لفرنسا إرسال «بالونات اختبار» وأنّ تهيّئ لتحوّل تدريجيّ مستقبلي بالموقف الحكومي لكنه لن يتبدّى في المدى القريب.
ونبّه المصدر الفرنسي الى وجوب إدراج زيارة الوفد البرلماني الفرنسي ضمن سياق يتصل بتصريحات أدلى بها الرّجل القوي في أجهزة المخابرات الفرنسية برنار سكوارسيني وهو مقرّب من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، والذي قال إنّ الحرب ضدّ «داعش» لا يمكن أنّ تتمّ بلا التعاون مع الأجهزة السورية.
كذلك ينبغي التنبّه الى أنّ هؤلاء النّوّاب الفرنسيين ينتمون الى مختلف الأحزاب الفرنسية وهم جميعا مقرّبون من أوساط وزارة الدّفاع الفرنسية.
ويلقى هؤلاء النواب دعما قويا في خطوتهم من قبل المرشح الرئاسي فرانسوا فيون (الذي رئس حكومة ساركوزي 5 أعوام) الذي يدعو منذ أشهر الى تقرّب فرنسا من روسيا بغية حلّ الملف السوري.
من جهته، أعلن مسؤول الشؤون الخارجية في حزب «التجمّع من أجل حركة شعبيّة» اليميني بيار لولوش المقرّب من إسرائيل بأنه لم يطّلع مسبقا على هذه الزيارة لكنّ اللافت بأنّ لولوش لم ينتقد سفر زملائه الى سوريا، مكتفيا بالقول بأنهم أحرار بتحرّكهم.
وتلفت الأوساط الفرنسية المطلعة الى أنّ النواب الفرنسيين سافروا الى سوريا ولبنان على نفقتهم الخاصّة وليس على حساب الخزينة الفرنسيّة، ومن الناحية الرسمية فلا أحزابهم ولا الحكومة الفرنسية على علاقة مباشرة بتحركهم، علما بأن الحزب الاشتراكي الحاكم هو الأشدّ تردّدا في مسألة التقرب من نظام الرئيس الأسد، وهذا ما دفع النائب الاشتراكي جيرار بابت الى عدم الاجتماع بالرئيس السوري بالرغم من أنه التقى بالمسؤولين السوريين الآخرين لا سيما وزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الاسد الدكتورة بثينة شعبان ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد ومفتي سوريا الشيخ أحمد حسّون، ويبدو أنّ بابت كان قد تعهّد لحزبه قبل سفره بأنه لن يجتمع بالأسد كي لا يسبب إحراجا.
ويُعتبر النائب اليميني جاك ميار هو السبب المباشر بحصول هذه الزيارة وهو شخصية تعرف العالم العربي جيدا، وقد كتب تقريرا مفصلا للبرلمان الفرنسي عن الثورات العربية بعد أن اجتمع بحوالي الثلاثين من الباحثين والشخصيات من العالم العربي.
في السياسة الداخلية الفرنسية، فإنّ النواب الذين قاموا بالزيارة الى سوريا هم على خلاف عقائدي مع الإسلام، وهم على عداء لكلّ أشكال الإسلام السياسي، وهذا كان دافعا أساسيا لحوارهم مع الأسد.
علما بأنّ النائب بابت التقى في لبنان صديقه القديم والتاريخي «الجنرال» ميشال عون والنائب الدكتور عاطف مجدلاني وعددا من الشخصيات اللبنانية، على اعتبار أنه يعرف لبنان جيدا ويرتبط بعلاقات صداقة عدّيدة فيه.
.. وفي بيروت يلتقي الموسوي
اكد مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» عمار الموسوي أن «الأولوية يجب أن تكون لمكافحة الإرهاب ومواجهة المجموعات المتطرفة».
وشدد، بعد لقائه الوفد البرلماني الفرنسي برئاسة النائب جيرار بابت، على ضرورة «العمل من أجل وقف كل أشكال الدعم والمساندة التي يتلقاها هؤلاء من قبل بعض القوى الإقليمية»، داعياً «القوى العالمية لأن تظهر جدية في سياساتها في مواجهة الإرهاب، خصوصا أن الأخطار لم تعد تتهدد دولة هنا أو نظاما هناك وحسب، بل هي أصابت وتصيب الجميع».
وتطرق الموسوي إلى «التعاون القائم بين إسرائيل والمجموعات الإرهابية، خصوصا في منطقة الجولان السورية، بما يكشف حقيقة المخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى تفكيك دول المنطقة وكياناتها ومجتمعاتها وتحويلها إلى مجموعة أحزمة أمنية».