اغتيال القيادي في “حزب الله” مصطفى بدر الدين، مثل اغتيال قائده السابق عماد مغنية، عمليتان استخباريتان مسرحهما دمشق، معقل النظام السوري حليف ايران و”الحزب”. العملية الأولى في 2008 كانت على غموضها أكثر وضوحاً، إذ لا يُتصوَّر قتل مغنية ببساطة من دون أن يكون هناك تواطؤ مع جهة محلية نافذة، لكن ظروف قتل بدر الدين اختلفت جذرياً بسبب وجود ايراني كثيف ومهيمن حتى على الأجهزة السورية والاختراقات المحتملة في صفوفها. هذه المرّة استشعر “حزب الله” أنه هو المستهدف وليس أحد قادته المطلوبين دولياً فحسب، وتكمن الصعوبة في أنه بات الآن يشك بالجميع، القريبين والبعيدين. لعل الأصعب أن يتهم “التكفيريين” في اعلان لم يقنع أحداً، ولا حتى كاتبيه، فضلاً عن اتهام “المشروع الاميركي – الصهيوني – التكفيري” كصيغة مطاطة تساعده فقط على تبرير هشٍّ لاستمراره في حرب تمعن في استنزافه.
صحيح أن “حزب الله” يدين بوجوده لايران وللنظام السوري، وأنه برهن قدراته التنظيمية والقتالية، لكن الترسانة المعنوية التي راكمها من قتاله ضد اسرائيل تآكلت وانهارت في سلوكه داخل لبنان ثم داخل سوريا وسواها.
وإذا كان مقتل قادته في ساحة الحرب يشحذ اصراره على عدم التراجع، فإن مقتل بدر الدين شكّل له جرس انذارٍ ليس مؤكداً أنه سيوقظه من التهوّر الذي انزلق اليه، فخياراته محدودة سورياً في اطار ما يرسمه “المرشد”، أما خياراته اللبنانية فيراها دائماً متاحة ومفتوحة طالما أنه يمارس الاغتيال والترهيب، وطالما أن لديه حلفاء مستعدّين لتغطيته. ثمة قصر نظر في اقتناع كهذا، والأخطر أنه يدفعه الى الاعتقاد بأنه عندما تحين عودته من سوريا سيكون الوضع الاقليمي للبنان قد تغير على نحو يناسبه، أو أنه في أسوأ الأحوال سيعود ليقولب البلد بما ينسجم مع أهدافه. أي أنه موقن بأن “جمهوره” سيبقى قطيعاً مطيعاً، ما يمكّنه من مواصلة عدم الاعتراف بالجمهور الآخر الذي عارضه ويعارضه سلمياً في السياسة كما في الحرب القذرة التي ذهب اليها.
من خيارات “القولبة” المبكرة أن يرفع “حزب الله” صوته ضد الحكومة والمصرف المركزي وأصحاب المصارف بسبب الاجراءات المالية الاميركية التي بدأ تطبيقها ضدّه، وهي جرس انذار آخر. فما الذي يأمل به، أن تتمرّد المؤسسات على تلك الاجراءات فتعطّل اقتصاد البلد المشلول أصلاً، أو أن يصبح لبنان مثل ايران دولةً غير قادرة على اصدار “شيك” من خارج النظام المالي والمصرفي، أو أن يحذو لبنان وهو لا ينتج نفطاً حذو ايران في التفافاتها على العقوبات لبيع نفطها؟ استهان “الحزب” بتلك الاجراءات رغم أن اقرارها استغرق وقتاً طويلاً، ولعله اعتقد أن مصادرته للدولة و”فائض القوة” الذي يُظهره وامكاناته الترهيبية قد تردع الاميركيين أنفسهم. الواقع أن التضييق المصرفي عليه وعلى جمهوره قد يدفعه الى أسوأ السيناريوات التخريبية.