بعد وصول المأزق الحكومي الى حدّه الأقصى، يجري التداول باقتراح يقضي بتواصل عملي بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري لإيجاد مخرج للأزمة
رغم الحملة السياسية والاقتصادية والاعلامية ضد رئيس تكتل التغير والاصلاح العماد ميشال عون، فإن الأخير متمسك بقوة بتعيين قائد جديد للجيش عوضاً عن التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي.
لم يثن عون الجو «الايجابي» الذي أشيع في الساعات الماضية بأن تسوية حكومية في طريقها الى الظهور، وأن الرئيس تمام سلام سيدعو الى جلسة للحكومة. لا بل إنه حرص على أن يطل بنفسه، وليس أي عضو في الكتلة، بعد اجتماع التكتل، لينفي هذه الاجواء ويؤكد أنه مستمر في مواجهة التمديد حتى النهاية.
لأيام خلت، كان بعض السياسيين من تيارات معارضة لعون يراهنون على أنه سيرضخ في نهاية المطاف، تحت وطأة الضغط السياسي والاقتصادي والاعلامي الذي يمارس ضده. لكن المطلعين على موقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح كانوا يدركون أن موقفه نهائي ولا عودة عنه، ولو كانت مفاعيل معركة التمديد تنعكس عليه وعلى خصومه معاً. يرى عون أنه والآخرين في مركب واحد، والإنقاذ يتم عن طريق حل جذري نهائي وليس عن طريق إرجاء انعقاد مجلس الوزراء. وهذه نقطة جوهرية في خطاب عون، إذ إنه، بخلاف ما يقال، مصرّ على إجراء جلسة مجلس الوزراء، ويدرك أن جميع القوى المشاركة في الحكومة لا مصلحة لها على المدى البعيد في إبقاء العمل الحكومي معلقاً.
تدخل الحريري
في رومية مؤشر الى نوع التدخل المطلوب لحل الأزمة السياسية
لكن بعد نحو شهر على تعطيل أعمال الحكومة، والمرجح استمراره في شهر رمضان أيضاً، ما هو المخرج لحل الازمة؟
تؤكد أوساط سياسية مطلعة على المفاوضات التي تدور في الكواليس السياسية بين الرابية وعين التينة وتيار المستقبل أن جدار الازمة الحالية لا يمكن أن يخرقه الا تدخل الرئيس سعد الحريري مباشرة مع عون لإيجاد مخرج للأزمة الحكومية. وبحسب هذه الاوساط، فإن الأزمة وصلت الى مرحلة متقدمة لم يعد ينفع معها تدخل الوسطاء ولا لقاء موفدي الحريري مع عون، سواء على مستوى النائب السابق غطاس خوري أو حتى قيام وزير الداخلية نهاد المشنوق (قبل أزمة سجن رومية) بمبادرة كان مقربون من الحريري يقولون إنها لم تكن بتكليف خاص منه. إذ إن جميع المعنيين رفعوا سقف شروطهم ومطالبهم الى الحد الاقصى. عون حدد ما يريد، والحريري ردّ عبر كتلته، إن بالنسبة الى الوضع الحكومي وتسوية قيادة الجيش وتحميل عون مسؤولية التعطيل، أوعبر دعمه للهيئات الاقتصادية في وجه عون. وكذلك فإن تيار المستقبل بات على اقتناع بأن عون لن يتراجع، وأن أي طرح في مجلس الوزراء لا يوافق عليه عون قد يؤدي الى انسحابه وحلفائه من الجلسة الحكومية. ورغم أن الرئيس نبيه بري سبق أن قال إنه سيطلب من وزرائه البقاء في الجلسة ولو انسحب منها وزراء التيار وحزب الله، إلا أن ثمة هاجساً يقلق المستقبل من أن يكون لحزب الله تأثير على وزراء بري للانسحاب من الجلسة. من جهة ثانية، لن يكون المستقبل قادراً على تحمّل تبعات اتخاذ أي قرار داخل الحكومة في غياب الوزراء المنسحبين من دون موافقة جميع الاطراف المشاركين في الحكومة عملاً بالاتفاق الذي اعتمد إثر الشغور الرئاسي، ما يفسر أنه استهداف للطرف المسيحي الأقوى تمثيلاً في الحكومة.
من هنا تقول المعلومات إن الاقتراح المتداول والقاضي بتواصل الحريري وعون لإيجاد مخرج عملي وقبل الوصول الى استحقاق 7 آب، موعد نهاية خدمة رئيس الاركان اللواء وليد سلمان، بات ضرورياً، لأن الوضع الداخلي لا يحتمل هزات جديدة.
وهذا الاقتراح ينطلق من جملة معطيات. فالاتصالات التي فتحت بين عون والحريري عبر لقاء روما في مستهل عام 2014، ساهمت في جزء أساسي في إنضاج طبخة تشكيل الحكومة، وتوزيع الحصص والادوار فيها بحيث صيغت تركيبة متوازنة حفظت للجميع (ما عدا القوات اللبنانية) حصصهم إبان وجود رئيس الجمهورية وبعد الشغور الرئاسي. وهذا التواصل سمح بتهدئة الوضع الداخلي وسحب فتيل الاستنزاف والسجالات التي طبعت العلاقة بين الطرفين وارتدت سلبياتها لأشهر طويلة على الوضع الداخلي.
وكذلك فإن الحريري هو الذي وعد عون بتسوية حول قيادة الجيش خلال اللقاء الذي جمعهما في بيت الوسط، إثر عودة الحريري الى بيروت في شباط الماضي، وهو أمر لم ينفه الرئيس الأسبق للحكومة، رغم أن عون كرره أكثر من مرة، لا سيما أن رئيس تكتل التغيير والاصلاح استند في حملته الى تعهد الحريري بفتح معركته قبل الوصول الى استحقاق التمديد، في حين أن الرئيس بري كان واضحاً منذ اللحظة الاولى في كلامه المؤيد للتمديد والرافض للفراغ في المؤسسات العسكرية، الأمر الذي يضع على الحريري مسؤولية المعالجة، خصوصاً أن تيار المستقبل ضاعف من حدة المشكلة القائمة بزيادة دعمه لقائد الجيش في صورة غير معهودة.
وما حصل خلال أزمة سجن رومية التي استدعت تدخلاً مباشراً من الحريري لاحتواء الازمة التي تركت آثاراً واضحة في تيار المستقبل والشارع السنّي كما في الساحة الامنية اللبنانية، يعطي مثالاً على أن الازمة الحالية، ولا سيما التداعيات التي وصلت اليها البلاد من شلل حكومي ونيابي، لم يعد يمكن معالجتها على مستوى الاتصالات الجارية حالياً، لأنها استنزفت نفسها ولم تعد تقدم أي تطور إيجابي، ما يتطلب مبادرة سريعة على مستوى التواصل المباشر بين الحريري وعون، ليس من أجل احتواء الأزمة بل لمعالجتها.