في نهاية عام 2015 لاح احتمال تسويات ممكنة في سوريا واليمن وليبيا ولبنان… ومع ان مشاريع الحل كانت محملة بالفخاخ والالغام وحبلى بالهواجس والشكوك ، الا ان طرحها أشاع بارقة أمل بعد سنوات عجاف، وجعلنا نظن لوهلة ان للعقلانية مساحة ضيقة في حياتنا السياسية.
هذه البارقة سرعان ما بددتها الساعات الاولى من العام الجديد، اذ بدا ان لا مكان للسياسة والتسوية في هذا الاقليم الملعون بألف لعنة، بل ان الجنون المذهبي والطائفي هو سيد اللعبة بلا منازع.
صحيح ان الخلاف الايراني – السعودي ليس جديداً، فقد دفع الاقليم بفعله الكثير من الدماء والاشلاء. ومع ذلك لم تصل الامور الى حد القطيعة بين طهران والرياض. ظلت الشعرة التي تربط العاصمتين تغذي الوهم انه يمكن العمل بينهما على الحلحلة وطرد اشباح الفوضى وإخماد النار في الساحات المشتعلة. ولعل بعضنا في لبنان عاش هذا “الوهم اللذيذ” لإمكان التوصل الى تسوية اقليمية تنهي ازمة الفراغ الرئاسي.
ومع قطع الشعرة تبخر الوهم، وعادت شياطين التعصب المذهبي لتملأ الساحات العابقة بهواجس الارهاب والتجزئة والتقسيم واعادة رسم الخرائط.
في اللقاءات الاخيرة التي عقدت في رعاية اممية لإيجاد حلول للازمات المستعصية في سوريا واليمن، أوحي بان التوافق الدولي يتقدم التوافق الاقليمي، وان ما تتفاهم عليه واشنطن وموسكو يمكن فرضه على الرياض وانقرة وطهران وعلى اللاعبين الصغار والمحليين. لكن كسر الجرة بين ايران والسعودية من شأنه ان يبعثر هذا “الوحي” ويعيدنا الى واقعنا الاليم. فعندما يغيب الحوار بين الفاعلين الاساسيين على الارض يصير أي شيء ممكناً، وعندما يتلاشى التفاهم يزداد احتمال تمزيق الخرائط، وعندما يلغي الاستبداد الديني القيم الانسانية والوضعية يسقط المنطق وتنهار السياسة، وعندما يستثار التعصب المذهبي الى حدوده القصوى تفلت الغرائز وينتصر التوحش “الداعشي” على أنواعه.
اللاعب الاكبر، المتحكم بمفاصل اللعبة الدائرة على ساحاتنا، لا يضيره ان يستعر الصراع المذهبي اذا ما أدى وظيفته برسم حدود امارات النقاء الطائفي على انقاض الخرائط القديمة التي استهلكت تاريخ صلاحيتها (في نظره)، ولا يضيره مد الارهاب بالمقويات اللازمة ما دام يؤدي دوره المطلوب في هز أسس المنطقة وتغيير صورتها، ولم يتجاوز بعد الحدود المرسومة له… انه يكتفي بالدعوة الى ضبط النفس، مع التمني الضمني ألا يحصل، لان ما نفعله بعضنا بالبعض أجمل هدية في العيد له ولاسرائيل.
العالم كله ينتظر العام الجديد للتقدم خطوة على طريق المستقبل. أما نحن، فأمنيتنا القصوى ان نراوح مكاننا عوض مواصلة السقوط في بئر بلا قعر.