كنا نتمنى على مفتي الديار السعودية عبد العزيز آل شيخ، ما دام يسند كتفه الى الله (وهذا الكتف يسند العرش)، ألاّ يكتفي بالفتوى التي تحرّم قتل اليهود، بل يقرنها بفتوى تحرّم قتل العرب للعرب.
لا نحتاج الى أي دليل بكون الاسرائيليين يقتلون العرب فقط لأنهم عرب. الفلسطينيون لا يفعلون ذلك. العرب أيضاً. في بعض البلدان العربية كان اليهود يمسكون بمفاصل محورية في الاقتصاد. في العراق، كان هناك أكثر من عشرة نواب يهود. في مصر لم تكن الحقيبة الوزارية مقفلة في وجههم.
عبد العزيز آل شيخ الذي يعلم أن الأمير محمد بن سلمان يحدّ، تدريجاً، من سلطة المؤسسة الدينية، لم يعد يمثل الذراع الايديولوجية للسلطة، باعتباره يتحدّر من محمد بن عبد الوهاب.
الهالة التي استخدمت، على مدى عقود، لاظهار النص القرآني، كما لو أنه أنزل (داروينياً) على القردة، لا للسموّ بالوديعة الالهية في الكائن البشري، باتت له مهمة مقدسة الآن، التسويق اللاهوتي للمصالحة الكبرى بين الكعبة وهيكل سليمان.
التابو انكسر بين الرياض وتل أبيب. لا داعي للحفر في الظلام لكي يظهر الى أي مدى انتهى التنسيق الذي تناول مسائل استراتيجية حساسة للغاية. نستعيد ما تتداوله أوساط ديبلوماسية أوروبية حول الصفقة بين الأمير السعودي وبنيامين نتنياهو.
الانكليز، بوجه خاص، هم الذين يتحدثون عن أن تفاهماً حصل بين دونالد ترامب، عبر اتصالات مكوكية قام بها جاريد كوشنر، لتحطيم القوى التي تناوىْ المسار الديبلوماسي، على أن تطلق اليد السعودية في أنحاء المنطقة.
انه المسار الذي انقضى عليه نصف قرن (قرار مجلس الأمن رقم 242)، أو ربع قرن (اتفاق اوسلو) دون أن يحقق أي شيء على الاطلاق.
نعلم ما هي نظرة عبد العزيز آل شيخ الى «حزب الله». المفتي شكك في اسلامية الحزب. وصفه بـ«المجوسي». ثامر السبهان ذهب الى أبعد من ذلك. رأى فيه «حزب الشيطان». ها أن المفتي يصف حركة «حماس» بالغوغائية .
كل من يرمي اسرائيل بحجر هو، في الأدبيات السعودية، ارهابي. أما من يلقي بآلاف الأطنان من القنابل على العرب، فهو يطبّق «شرع الله» الذي قضى بالاخوّة بين اسحق واسماعيل.
لا نتصور أن عبد العزيز آل شيخ يقرأ غير الفرمانات الملكية. هو الذي كان يدعو الى تشتيت اليهود والنصارى، لم يقرأ وصف الحاخام عوفيديا يوسف للعرب بـ«الديدان التي ينبغي سحقها».
الحاخام اياه الذي أفتى بأن العالم الآخر مقفل الى أن يهبط الماشيح على الأرض. المؤرخ يسرائيل شاحاك أشار الى أن يوسف أطلق تلك الفتوى كي لا يتواجد اليهود والعرب في «قاعة انتظار» واحدة في العالم الآخر.
السجادة الحمراء في اورشليم، وكما صرّح وزير الاتصالات الاسرائيلي أيوب قرا، تنتظر الضيف السعودي الذي دعا الى التعاون مع اسرائيل للقضاء على «حزب الله». هل باستطاعة الرجل أن يتلفظ بأي كلمة بعيداً عن أوامر البلاط.
اذاً، هذه هي خلفيات عملية «القاء القبض» على رئيس الوزراء اللبناني، وارغامه على الاستقالة، ثم وفي أجواء تراجيدية، يتعمد اولياء الأمر اظهاره وكأنه يدار بالريموت كونترول في حين أن عينيه تختزلان ما يتعرّض له. لم تعد التفاصيل المريرة، والمهينة، بخافية على أحد.
المعلومات الديبلوماسية المتداولة تؤكد أن الرئيس الحريري طرح فكرة اعتزال السياسة. الرفض جاء قاطعاً. هذا يحدث بعد أن يستنفد دوره.عليه ابقاء منصب رئاسة الحكومة شاغراً الى أن يصبح منصب رئاسة الجمهورية شاغراً.
السيناريو الذي ينطوي على الكثير من السذاجة، يعتبر أن مجرد حضور الرئيس الحريري الى قصر بعبدا يعني أنه طليق. العودة عن الاستقالة غير المبررة على الاطلاق، بعد كل مظاهر الغرام مع الرئيس ميشال عون، هي الدليل على حريته.
هذا ما يريده البلاط السعودي من القصر. أن يأمر الجيش اللبناني بالتعاطي مع «حزب الله» على أنه عصابة مسلحة خارجة على الشرعية. يفترض بالرئيس عون أن يمتثل، وأن يطلب مؤازرة أفيغدور ليبرمان لازالة الحزب، ومن في ركابه، من الوجود.
هذه أيام مصيرية. الجنرال أثبت أنه الرجل، وأنه القائد الذي يرفض وضع لبنان في سوق النخاسة. الأفضل أن يبقى سعد الحريري في «مملكة الخير» لأنه، بعودته، سيضيف الى المهزلة مهزلة. سيجعلنا أكثر اقتناعاً بأن ثمة جهاز تنصت تحت ثيابه!