ينفض جهاز «أمن الدولة» الغبار عنه. تحاول قيادته الجديدة إعادة بناء صورته المدمّرة. وبعدما استحال الجهاز «دكّاناً» بإمرة مديره السابق، يسعى مديره العام الجديد ونائبه للنهوض به مجدداً؛ من إجراء تشكيلات شاملة لتحريك الدم المتجمّد مروراً بتطويع أفراد جدد، وصولاً إلى تفعيل العمل الأمني لاستعادة دورٍ ضائع، ورشة الإصلاح انطلقت. يُراد للجهاز الأمني أن يكون جهاز العهد الجديد
جهازٌ عديم الإنتاجية. عبارةٌ لا تصلح أن تكون أُحجية حتى، كي توضع في خانة الكلمات المتقاطعة، لأنك لو لمحتها، فلن تحتاج إلى جهدٍ لتجيب فوراً: جهاز أمن الدولة. الاسم الكبير بات عنواناً لـ«مزرعة خربانة» من عام 2005. الصيت السيّئ الذي ترزح مديرية أمن الدولة تحت وطأته لا يمكن أن يُمحى بسهولة.
حقيقةٌ يعرفها جيداً الضابطان اللذان عُيِّنا على رأس المديرية حديثاً، لكن الرغبة في التغيير التي تُميّز عمل كلّ من المدير العام اللواء طوني صليبا ونائبه العميد سمير سنّان، توحي بأنّ المديرية تعيش مرحلة انتقالية. يعزز هذا الاقتناع إيلاء رئيس الجمهورية ميشال عون أمن الدولة اهتماماً خاصاً، وهو ما فسّره البعض بأن المديرية الأمنية مشروع لأن تكون الجهاز الأمني للعهد.
أول ملامح التحوّل في هذه المرحلة تجلّى في ورشة التشكيلات التي أُنجِزت لتطال، لأول مرة منذ سنوات، ٩٠ ضابطاً من أصل ١٤٠ ضابطاً (مجموع ضباط المديرية)، من ضمنها ٢٢ مركزاً قيادياً. التشكيلات الشاملة كانت ضرورة لا بدّ منها لتحريك مفاصل المديرية، بعدما عاشت مرحلة ركود طال أمدها.
أوقف «أمن الدولة» متقاعداً من الجيش بشبهة التعامل مع العدو الإسرائيلي
تلى هذه الخطوة استئناف تطويع ٥٠٠ عنصر (٤٠٠ ذكر و١٠٠ أنثى) في صفوف المديرية، علماً بأنّ دورة التطويع هذه سبق أن أُنجِزَت منذ ثلاث سنوات. لكن خلاف المدير العام السابق اللواء جورج قرعة مع نائبه العميد محمد الطفيلي حال دون إصدارها يومذاك. وعلمت «الأخبار» أنّ قيادة المديرية كلّفت لجنة لإعادة التواصل مع المرشحين، لا سيما أنه بعد مرور ثلاث سنوات فإن عدداً كبيراً من المرشحين التحق بأجهزة أمنية (خاصة الامن الداخلي) أو ربما غادر خارج البلاد أو تزوّج، ما يشكّل عائقاً يحول دون إمكانية التحاقه بصفوف المديرية.
مسألة أخرى أُدرجت ضمن أولويات المديرية، تتعلق بحماية الشخصيات. فقد طرأ خلاف بين مديريتي الأمن الداخلي وأمن الدولة بشأن عديد مرافقة الشخصيات. وفي ظل رفض قوى الأمن فصل 60 عنصراً جديداً لتلبية مطلب مجلس الأمن المركزي توفير حماية لشخصيات سياسية أو رفع عدد المرافقين، توقّفت مصادر أمن الدولة عند التضخّم في عديد مرافقي بعض الشخصيات من دون مبرر، في ظل رفض قيادة قوى الأمن تخفيضها.
هذا على الصعيد الإداري المتعلق بإعادة تنظيم الصفوف. أما أمنياً، فإنّ قيادة المديرية تعوّل على تطوير العمل الأمني في المديرية. وعلمت «الأخبار» أنّ أمن الدولة في صدد المطالبة بمساواته بباقي الأجهزة الأمنية في مسألة «كوتا التنصّت» (عدد الهواتف المسموح للأجهزة الأمنية التنصّت عليها بصورة شرعية)، إضافة إلى طلبه التزوّد بداتا الاتصالات التي تساعده في العمل الأمني. وللدخول إلى السباق الأمني، يسعى المدير العام ونائبه إلى تقوية الاستعلام التقني عبر تعزيز المديرية ببرامج تحليل للداتا، لا سيما أن أجهزة التنصّت الموجودة في المديرية بدائية جداً.
وفي سياق محاولة قيادة الجهاز استعادة دوره الأمني المفقود، بعدما أدى طوال المرحلة السابقة دور مخفر صغير في بلدة نائية، أوقف جهاز أمن الدولة مشتبهاً في تعامله مع الاستخبارات الإسرائيلية يدعى أ. د. (مواليد ١٩٧٥). وعلمت «الأخبار» أنّ المشتبه فيه كان جندياً في الجيش اللبناني قبل أن يُسرّح العام الماضي لأسباب صحية. وقد رُصِد تواصله مع العدو الإسرائيلي عبر الموقع الإلكتروني لجهاز الموساد. وبحسب المعلومات، أبلغ أ. د. الإسرائيليين أنّه متقاعدٌ من الجيش اللبناني وأنّه كان عنصراً في الاستخبارات ويملك الكثير من المعلومات وجاهز للتعاون معهم. عاود عناصر الاستخبارات الإسرائيلية الاتصال به هاتفياً عدة مرات. كذلك تواصلوا معه عبر حسابه على فايسبوك طالبين منه تزويدهم بحسابه على سكايب، لكن أمن الدولة أوقفه قبل ذلك. أما عن دوافعه للتعامل مع الإسرائيليين، فكشفت المصادر الأمنية أنّ الموقوف أبلغ محققي أمن الدولة أنّ تحصيل المال من الموساد كان هدفه الوحيد. وقد سلّمه أمن الدولة إلى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بناءً على إشارة القضاء.
وبحسب المصادر الأمنية، فقد كان العسكري المتقاعد المشتبه فيه بالتعامل مع العدو الإسرائيلي يخدم في فوج المدفعية الثاني بين عامي ١٩٩٥ و١٩٩٨ قبل أن يفصل إلى الفياضية كسائق بتصرّف العميد الركن المتقاعد أ. ب. ويبقى معه لسنة ٢٠١٤. وبسبب إصابته بـ«ديسك» في ظهره وعدم تمكنه من القيادة، فُصِل عام ٢٠١٥ إلى الشرطة العسكرية بعد خضوعه لعملية جراحية في ظهره، قبل أن يُحال إلى التقاعد لأسباب صحية في الأول من آب عام ٢٠١٦.
لم يكن أ. د. «صيد» أمن الدولة الوحيد في العهد الجديد. فقد أوقف السوري ع. ر. المشتبه في انتمائه إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ليتبين أنّه كان قد شارك في وضع عبوة ناسفة انفجرت داخل موقف سيارات في الضاحية الجنوبية عام ٢٠١٣. كذلك اعترف المشتبه فيه بتكليفه من قبل التنظيم بمراقبة مراكز لحزب الله في الضاحية الجنوبية. وجرى تسليمه إلى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بناءً على إشارة القضاء.
وفي موازاة مكافحة الإرهاب والتجسّس، أوقف عناصر أمن دولة مروّج حبوب كبتاغون يتّخذ من متجره لبيع الهواتف الخلوية غطاءً لبيع الكبتاغون. وقد ضُبط في محل الهواتف ألف حبة كبتاغون. كذلك تمكن عناصر أمن الدولة من توقيف المشتبه فيه بارتكاب جريمة قتل شخصين في بلدة قب الياس البقاعية، م. ي. قبل أسبوعين. وفيما كان قد تردد أن عائلته سلمته، كشفت مصادر أمنية أن عناصر أمن الدولة أوقفوه أثناء محاولته الفرار. كذلك استنفر أمن الدولة عناصره، مفعِّلاً العمل على عدد من ملفات الفساد داخل عدد من الإدارات والمؤسسات الرسمية. فهل ستكون هذه العمليات مفتاح عهد جديد يضع الجهاز الأمني في مصاف الأجهزة الأخرى؟ الأيام المقبلة تحمل الإجابة عن هذا السؤال.