رأى المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، أن المسلمين لا يبذلون جهداً كافياً لمنع اعتداءات إرهابية، وطلب منهم إبلاغ السلطات في بلدانهم، ومنها الولايات المتحدة، حين يشتبهون بأمور مريبة. بهذا يصبح كل مسلم خفيراً في بلده وعيناً للسلطات على متطرفين يعتنقون ديانته. ولم يحدد ترامب أجراً لهذا العمل الاستخباري، إذ يعتبره تطوّعياً يثبت المسلم من خلاله حقه في المواطنة الذي يحتاج إلى إثبات، لكونه يشارك الإرهابيين دينهم.
ولكن، هل الإسلام حقاً هو ما يجمع هذا المواطن بالإرهابيين، أم أن هؤلاء ابتكروا منذ «الجهاد في أفغانستان» إسلاماً خاصاً يتميز بالعدوانية وإلغاء الآخر، وشاركت الولايات المتحدة آنذاك في دعم هذا الاتجاه الإرهابي، بهدف تمريغ أنف الاتحاد السوفياتي في تراب أفغانستان تمهيداً لإسقاطه… وقد سقط.
يبدو مؤسفاً اللجوء إلى الذرائع في الكلام على جريمة بروكسيل ومن قبلها جريمة باريس، فلا عذر لمرتكبي هاتين الجريمتين، ومن قبلهما جرائم في غير بلد شرقي وغربي. لا ذريعة القومية والوطنية تقنع أحداً ولا ذريعة الطبقية التي يعتمدها اليساريون تقنع أيضاً. نحن هنا أمام نهج عدواني بلا حدود ينطق باسم الإسلام ويورّط المسلمين. والمنخرطون في هذا النهج متعددو القوميات والطبقات، يجمعهم العداء لكل من لا يتشبّه بهم، وصولاً إلى تكفيره وقتله.
لا ينقص هؤلاء المال ولا فرص الانتماء الوطني والقومي ولا الأواصر الثقافية (اللغة والمأثور الشعبي وغيرهما)، وهم ارتضوا قطع الصلات الطبيعية مع أهلهم وبيئتهم وثقافتهم واستبدالها بنهج تكفير الآخر وتنغيص عيشه تمهيداً لقتله وتدمير منجزاته الحضارية. هنا تحال المشكلة التي صارت عالمية، على المسلمين، وتحديداً القيادات المعمّمة التي تنسب إلى نفسها المعرفة الأعمق بالدين والحرص عليه وتثقيف دعاته (هل يحتاج الإنسان في عصر الاتصالات الى داعية يدعوه إلى دين أو إلى أي عقيدة أخرى؟). علّق الأزهر على ما حدث في بروكسيل بالقول «إنها جرائم نكراء تخالف تعاليم الإسلام السمحة»، وبمثل هذا الكلام كانت تعليقات قياديين معمّمين في دول عدة، من بينها إيران.
ولا نحتاج إلى تكرار المحاججة في صدد خلافة إسلامية مزعومة كانت مجرد حكم إمبراطوري له حسناته وسيئاته، وحتى في صدد أحقية المعمّمين بقيادة دول ومجتمعات في عصر تداخل الأفكار والمصالح الاقتصادية وطرائق عيش البشر. لقد سال حبر كثير في هذه الموضوعات من دون أن يتراجع المعمّمون عن مواقع سلبوها من قيادات مدنية ذات خبرة، فارضين العودة إلى القرون الوسطى، بما يدفع المواطن المسلم إلى عيش التناقض في بلده، بل حتى إلى انفصام الشخصية (لا يستطيع المسلم في أوروبا وأميركا القطع مع قيادات دينية في الوطن الأم، كما يعجز عن تشكيل مؤسسات دينية مهجرية مستقلة تراعي أوضاع الجاليات المسلمة).
ما يحصل على يد «داعش» والأفكار التي يستند إليها، هو أننا على عتبة حرب عالمية بين الدولة والفوضى، الدولة التي اختطفها الديكتاتوريون أو الفاسدون، ففقدت صلاحيتها لضبط حياة المواطنين ورعاية مصالحهم المشتركة، والفوضى التي يرعاها بكفاءة «داعش» وأمثاله، محطّماً صورة الإسلام الحضارية في سياق تحطيمه الحضارة البشرية كلها، من آثار تدمر إلى مطار بروكسيل وما بينهما من منجزات.
الكرة في ملعب الذين ينسبون إلى أنفسهم قيادة المسلمين في عصرنا: فإما دولة بلا ديكتاتورية وفساد (تعمل عليها الحركات السياسية المدنية وتعرقل عملها حركات الإسلام السياسي) أو فوضى يبدو المسلمون أبطالها الوحيدين.
ذلك المسلم المؤمن البسيط البريء الذي يعيش بسلام مع آخرين ينتمون إلى ثقافات وأديان متعددة، كم يبدو ضحية تلك القيادات الإسلامية ذات العمائم.