في 6 حزيران (يونيو) 2014، يوم سقوط الموصل في يد “داعش”، سألتُ على هامش مؤتمر دولي في الدوحة المسؤول الاميركي الاستخباراتي السابق بروس ريدل عن قراءته وتوقعاته، فقال أنه اذا أبقى التنظيم سيطرته على الموصل لأكثر من عام “فهو هناك ليبقى”.
عام مضى و”داعش” لم يبق فقط في الموصل، بل زاد إليها الرمادي وتدمر والرقة، وها هو يتوسع في اتجاه حلب، وينفذ عمليات في الفلوجة. وحشية التنظيم تتمدد تحت أعين طائرات تحالف من ستين دولة وأمام تفكك الجيشين العراقي والسوري، وفرار جنودهما فور السماع بأن مقاتلي التنظيم اقتربوا. وبعد عام يبدو ان العالم الغربي وعلى رأسه إدارة باراك أوباما بدأت تتأقلم مع الواقع الجديد، ومستعدة بعد تسعة أشهر من الضربات الجوية لقبول حرب ميليشياوية في الشرق الأدنى ضحيتها الاولى الدول والمجتمعات والحضارة، لكنها تبقى أقل الخيارات كلفة لواشنطن.
داعش بات اليوم واقعاً في الملعب الشرق الاوسطي الجديد، لن تقوى على غطرسته الضربات الجوية، ولن تقدر عليه الميليشيات الطائفية والانظمة الفاقدة القوة والشرعية. وحشيته في الإعدامات الجماعية وقتل السوريين والعراقيين قبل غيرهم، هي لتخويف الرأي العام ونيل صدى أعلامي، أما أجندته السياسية والاقتصادية فتستفيد من عقود من الحرمان في سورية والعراق. في تدمر، وزع “داعش” الخبز على الأهالي في وقت كانت قواته تعدم عائلات وجنود في مسرح القلعة التاريخية. قوته في ضعف اي بديل حقيقي منه، وغياب استراتيجيات سياسية توقف آلة قتل النظام السوري وضعف وتآكل الحكومة العراقية.
واشنطن شاهدت قوافل “داعش” تنتقل مركبة تلو المركبة في صحراء تدمر وداخل الرمادي من دون ان توقف مدها. السبب في ذلك ليس مؤآمرة كونية بين الولايات المتحدة والتنظيم، بل إقرار أميركي بأنه من دون اتخاذ الحكومة العراقية خطوات حقيقية للمصالحة، فلا أمل في هزيمة “داعش”، ومن دون عودة نظام الأسد الى طاولة التفاوض وقيام قوة فعلية ضد “داعش”، فالضربات على تدمر لن تثني مقاتلي التنظيم.
إدارة باراك أوباما لن تعيد تجربة الـ 2003 – 2011 في العراق بإرسال جنودها للقتال في الشرق الاوسط، وهي تفضل اصدار مهمات المعارك إما من خلال تسليح المقاتلين الأكراد، او العمل على تسليح قبائل الأنبار على رغم معارضة بغداد، أو امتحان قدرات الميليشيات الشيعية في ساحات القتال حتى لو كان ذلك يجازف بخطر التطهير العرقي. أما في سورية، فالقيادة من الخلف وتحاشي الدخول في مواجهة مع ايران هناك هي استراتيجية اوباما، وفي الوقت نفسه يبقي تفادي دك عاصمة “الخلافة”، اي الرقة، الادارة مكبلة اليدين.
التفكك الميليشياوي في سورية والعراق أهدانا “داعش”، وبعد عام على نشوئها فكل المؤشرات تدل الى بقاء التنظيم في البلدين لسنوات. سرُهُ في اقتناص الفراغ والتخبط الاقليمي والدولي في مناطق النزاع، وهو في ذلك لا ينتظر “جنيف 3” أو استراتيجية “الصحوات”، بل يمضي في تغيير الحدود السياسة والحضارية الى حين استفاقة بغداد ودمشق من الغيبوبة.