الرسالة الأساسية التي يمكن استخلاصها من نتائج اللقاءات الموسعة التي عقدها وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت في لبنان على مدى يومين، هي أن فرنسا تريد مساعدة هذا البلد، لكنها غير قادرة، لأن مفتاح حل الأزمة موجود في أيدي اللبنانيين الذين عليهم أن يساعدوا أنفسهم قبل أن ينتظروا مساعدة الآخرين، أو بعبارة أوضح استناداً إلى مصادر نيابية لبنانية شاركت في لقاءات الوزير الفرنسي، أن على اللبنانيين أن «يقلعوا شوكهم بأيديهم» ولا يتوقعوا أن يقوم غيرهم بهذه المهمة، وهذا بالتأكيد، يعني أن باريس ورغم استعدادها للوقوف دائماً إلى جانب لبنان لمساعدته على تجاوز مشكلاته، ليس لديها راهناً قدرة على إيجاد مخرج ملائم للأزمة الرئاسية التي تعني القيادات اللبنانية وحدها، وبالتالي فإن مسألة انتخاب الرئيس العتيد لا يستطيع أحد حلها إلا اللبنانيون الذين يُفترض بهم تجاوز انقساماتهم سعياً للتوافق حول اسم الرئيس الجديد للجمهورية، ولذلك فإن هناك ضرورة وفي ظل تدهور الأوضاع في الإقليم والانشغال الدولي بمحاربة الإرهاب، لأن يقتنص اللبنانيون الفرصة ويبادروا إلى إيجاد قواسم مشتركة فيما بينهم، تساعدهم على انتخاب رئيس للجمهورية يملأ الفراغ المدمر الذي يشكل خطراً كبيراً على لبنان ومؤسساته في حال استمراره، مع ما لذلك من تداعيات على الوضع الأمني الذي يخفي قلقاً كبيراً لدى اللبنانيين على حاضرهم ومستقبلهم.
واستناداً إلى المعلومات التي حصلت عليها «اللواء» من بعض الشخصيات السياسية التي تسنى لها لقاء وزير الخارجية الفرنسية، أن الأخير عبّر أمام من التقاهم، عن خشية بلاده من محاذير بقاء لبنان من دون رئيس للجمهورية بعد أكثر من سنتين على الشغور المرشح لأن يستمر طويلاً، إذا ما بقي اللبنانيون مستقيلين إذا صحّ التعبير من مسؤولياتهم ويراهنون على الخارج لانتخاب رئيس لبلدهم، لا بل أكثر من ذلك، فإن الضيف الفرنسي كان حريصاً في دعوة الذين اجتمع بهم في لقاءاته الرسمية والحزبية، إلى عدم المراهنة على مشاورات إقليمية أو دولية قد لا تكون ظروفها مناسبة الآن لدفع الأزمة الرئاسية في لبنان نحو الحل، باعتبار أن الأجواء في المنطقة غير مؤاتية لتقارب إقليمي وتحديداً بين إيران والمملكة العربية السعودية لأكثر من سبب، خاصة وأن ارتفاع وتيرة التوتر بين الدولتين، عكسته بوضوح مواقف نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الأخيرة، والذي حمل على المملكة وحمّلها مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، ما يؤشر إلى عودة التصعيد في العلاقات الإيرانية – السعودية بعد فترة هدوء لم تدم طويلاً، وهو أمر يدركه الفرنسيون جيداً بأن أفق الحل الخارجي لمشكلات لبنان مسدود، ما يعني أن البوابة الداخلية وحدها الكفيلة من خلال توافق لبناني ولو بالحد الأدنى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعدما بدا أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من التعقيد إذا استمر هذا العجز اللبناني الفاضح عن معالجة الشغور، لأن الأمر لن يقتصر على رئاسة الجمهورية وإنما سيتعداه إلى سائر المؤسسات الدستورية الأخرى ويزيد الأعباء أكثر فأكثر أمام لبنان في مواجهة متطلبات النزوح السوري، لا بل أكثر من ذلك، فإن الثقة الدولية بلبنان ومؤسساته ستتراجع تدريجاً كلما تأخر لبنان في انتخاب رئيسه.
ولهذا شواهد كثيرة، سيما وأن العديد من الدول يتردد في تقديم مساعدات للبنان في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية، الأمر الذي يحتم الإسراع في ملء الشغور ليستعيد ثقة الخارج بمؤسساته وقدرته على النهوض في مواجهة تحديات المرحلة المقبلة التي تتطلب من اللبنانيين الوقوف صفاً واحداً وتضييق مساحة الخلافات في ما بينهم.