كتب محمد شقير
يدخل لبنان في مرحلة سياسية أشد تأزماً في حال أبقى اللقاء المرتقب عصر اليوم (الأربعاء) بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري على انسداد الأفق أمام إخراج عملية تأليف الحكومة من المراوحة التي تتخبط فيها بسبب رفض عون التشكيلة الوزارية التي سيحملها إليه الحريري والتي تتشكل من 24 وزيراً، ويراعي فيها المواصفات التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مبادرته لإنقاذ لبنان، والتي سبق لرئيس المجلس النيابي نبيه بري أن تبنّاها لأنها كاملة الأوصاف.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية متعددة، أن الحريري اتصل بعون معرباً عن رغبته في تأجيل اللقاء الذي كان مقرراً أمس إلى اليوم، وأن الأخير حدد له موعداً في الرابعة من عصر اليوم (الأربعاء) بعد أن تبلغ الرئيس المكلف أن استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي له سيكون صباح اليوم، وأكدت أن الحريري ينتظر رد فعل رئيس الجمهورية على التشكيلة التي يحملها إليه ليبني على الشيء مقتضاه، وأنه سيضطر في حال عدم تجاوبه مع التركيبة الوزارية «المتوازنة والوازنة» التي أعدها بإتقان إلى الاعتذار عن تشكيلها لأنه لن يكون شريكاً في الانهيار، وأنه يهدف من تكليفه بتشكيل الحكومة العمل على رفع المعاناة عن اللبنانيين.
وكشفت عن أن الحريري تواصل مع بري ووضعه في صورة الموقف الذي سيتخذه في حال لم يلقَ أي تجاوب من عون حول التشكيلة الوزارية، مؤكداً أن لا عودة عن قراره بالاعتذار عن التأليف، وقالت بأن الحريري الذي أيّد بلا مواربة مبادرة بري التي قوبلت برفض من عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل اتخذ قراره بتحصين التشكيلة الوزارية لقطع الطريق على عون للتذرُّع بعدم مراعاتها «الميثاقية» لتبرير رفضه لها.
ولم تعلّق المصادر نفسها على ما تردد أن باريس دخلت على خطوط التواصل وكانت وراء ترحيل لقاء عون – الحريري إلى عصر اليوم إفساحا في المجال أمام الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل لعله يستخدم «خرطوشته» السياسية الأخيرة لإنقاذ المبادرة الفرنسية وإن كانت تدرك – كما تقول لـ«الشرق الأوسط» – أن باريس هي من أطلق رصاصة الرحمة على مبادرة ماكرون.
وتعزو السبب إلى أن ماكرون قدّم تنازلات مجانية لـ«حزب الله» عندما استبعد الدعوة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ووافق على ترحيل الأمور الخلافية ومنها الاستراتيجية الدفاعية بذريعة أن لا مجال للبحث فيها خشية أن تعطّل تشكيل الحكومة لمرحلة انتقالية يراد منها وقف انهيار لبنان.
وتضيف بأن باريس تخلّت عن أوراق الضغط لتسريع ولادة الحكومة وساوت بين من يعرقل تشكيلها وبين من يقدّم كل التسهيلات، وهذا ما أتاح للمعرقلين مواصلة ضغطهم على الحريري لتقديم المزيد من التنازلات رغم أنه قدّم الكثير من التضحيات ولم يعد لديه ما يقدّمه لقناعته بضرورة إنجاح المبادرة الفرنسية.
وتؤكد المصادر نفسها، أن باريس وضعت المعرقلين والمسهّلين في سلة واحدة، مع أن عون يريد من الحريري أن يترأس الحكومة التي يريدها الفريق السياسي المحيط به، وإلا لن يسمح له بتشكيلها، وتقول إن «حزب الله» وإن كان وافق على تفويض بري لإنجاح مبادرته مبدياً استعداده لمساعدته، فإنه في المقابل رفض الضغط على باسيل وذهب في مراعاته إلى أقصى الحدود لأن الحزب يتعاطى في موقفه من الحكومة من زاوية إقليمية بخلاف الآخرين ممن يرفضون ربط تشكيلها بمفاوضات فيينا لتمكين حليفه إيران من التفاوض من موقع الإمساك بالورقة اللبنانية.
لذلك؛ فإن هموم الحزب في مكان آخر؛ لأن لديه أجندة تتجاوز الداخل إلى الإقليم، وإن كان يحرص على تحصين تحالفه مع الرئيس بري ولو من موقع الاختلاف الناجم عن تحميل الأخير عون وباسيل مسؤولية تعطيل مبادرته وإصرارهما على رفع سقوف شروطهما وصولاً إلى تطويق الحريري لدفعه للاعتذار رغم أن الحزب لا يرى بديلاً من الرئيس المكلف مع أن موقفه لن يُصرف سياسياً.
وعليه؛ فإن الحريري الذي حرص على التواصل مع بري مقدّراً له دوره في توفير الشروط المطلوبة لدعمه، فإنه في المقابل لم ينقطع عن التواصل مع رؤساء الحكومات السابقين وهو التقى أول من أمس الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، في حين اتصل لهذه الغاية بالرئيس نجيب ميقاتي الموجود في اليونان.
وعلمت «الشرق الأوسط»، أن لقاء الحريري برؤساء الحكومات تركز حول قراره بأن يحمل معه إلى بعبد اللقاء عون تشكيلة وزارية، وأن لا عودة عن خياره بالاعتذار عن تشكيل الحكومة في حال تعامل معها عون بسلبية رافضاً فتح ثغرة تؤدي حتماً إلى خرق انسداد الأفق الذي يعطّل تأليفها.
وتقرر – كما قال رئيس حكومة سابق لـ«الشرق الأوسط» – عدم دخول الحريري أو رؤساء الحكومات في لعبة تسمية البديل؛ لأن من يرفض التعاون مع الحريري يجب أن يقابل بموقف سياسي متكامل، وأن لا مكان لتعويم عون أو تقديم مكافأة له لتعطيله الحكومة وعليه أن يتحمل مسؤولية عدم التعاون لوقف الكوارث التي تحاصر البلد.
وأكد رئيس الحكومة السابق الذي فضّل عدم ذكر اسمه بأنه يمكن تفهم موقف بري بأن يعطي الحريري كل الحق بتسمية من يخلفه لتشكيل الحكومة، لكن رئيس المجلس يدرك تماماً أن لا مجال للتعاون مع عون الذي لم يعد يهمه إنقاذ ما تبقى من عهده بمقدار ما يتطلع إلى تأمين استمرارية إرثه السياسي من قبل وريثه باسيل.
ورأى أن رؤساء الحكومات هم على موقف واحد ولا مجال للرهان على اختلافهم، وقال إن السنيورة طوى صفحة عودته إلى رئاسة الحكومة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سلام وامتداداً إلى ميقاتي، وقال إن لا صحة لما يقال بأنه لا يمانع بتكليفه شرط تأمين مقوّمات النجاح له، وأكد أن ميقاتي الذي كان شكّل حكومتين ليس في وارد القبول بتشكيل حكومة ثالثة يراد منها الالتفاف على اتفاق الطائف وصولاً إلى إلغائه أو تنصيب عون شريكاً بخلاف الأصول مع البرلمان لاختيار اسم الرئيس المكلف.
واعتبر، في ضوء التواصل الذي أجراه السنيورة بميقاتي، أن الأخير ليس في وارد إقحامه في مبارزة يراد منها استهداف الحريري، وعزا السبب إلى حرصه الشديد على علاقته به أسوة بعلاقته بالسنيورة وسلام، وقال إن على من يصر على تعطيل تشكيل الحكومة أن يتحمّل مسؤولية البحث عن بديل يصعب إيجاده إلا إذا أراد المجيء بحكومة شبيهة بحكومة الرئيس حسان دياب مع تبدّل في الأسماء أو الاستعانة بحكومة رديفة بتحويل المجلس الأعلى للدفاع إلى حكومة من نوع آخر.