الحكومة تلجأ لحلول ظرفية بينها استخدام وقود «غير مطابق للمواصفات»
نذير رضا
تبحث الحكومة اللبنانية في حلول مؤقتة واستثنائية، لتخفيف حدة أزمة انقطاع الكهرباء التي لم تجد طريقها إلى الحل بسبب عوائق داخلية وضغوط خارجية لتنفيذ الإصلاحات في القطاع، فيما يبدو مسار الحل معقداً، حيث تصطدم الخطط بصعوبة تنفيذها، وبعجز الحكومة عن تمويل إضافي للقطاع.
ويتكرر بشكل شبه أسبوعي، التحذير من غرق لبنان في الظلام الشامل، ونادراً ما تكون العتمة، خلال السنوات الثلاث الماضية، ناتجة عن أعطال تقنية. تدور معظم الأسباب حول التأخير في دفع المستحقات، والتأخر في وصول شحنات الوقود، وعوائق تمويلية أخرى، أبرزها شروط البنك الدولي لإصلاح قطاع الكهرباء، وفي مقدمته تعيين الهيئة الناظمة للقطاع المشكلة منذ سنوات، لقاء تمويل استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية.
غير أن الحلول المؤقتة التي لا تجد الحكومة مناصاً من اللجوء إليها، وصلت إلى حدود استخدام وقود غير مطابق للمواصفات، لتجنب العتمة الشاملة. فقد أعطت الحكومة اللبنانية موافقة لمؤسسة «كهرباء لبنان» لاستخدام جزء من الوقود «Grade B» المخزن في معملي الجية والذوق (معملان قديمان وصغيران)، والذي يقدر بـ40 ألف طن، بهدف تفادي الوقوع في العتمة الشاملة مع قرب نفاد مادة الغاز تشغيل معمل الزهراني، وهو واحد من أكبر معامل الإنتاج في لبنان. وقال وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الجمعة، إن مشكلة الوقود حُلّت بمشاركة وتوجيه الرئيس نجيب ميقاتي ومجلس إدارة كهرباء لبنان.
ويصف المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون اللجوء إلى هذا الحل، بأنه «دواء منتهي الصلاحية، يمكن أن تكون فعاليته معدومة أو قليلة، ويمكن أن يترك آثاراً جانبية»، شارحاً لـ«الشرق الأوسط» أن الشحنة التي يُعتقد أنها وصلت إلى لبنان مطلع العام الحالي «غير مطابقة للمواصفات، فرفضت الشركة المشغلة لمعمل الزهراني استخدامها في المعمل، مما دفع مؤسسة كهرباء لبنان لتخزينها في خزانات معملي الجية والذوق» المتوقفين عن العمل منذ أشهر، «من غير أن تتخذ الدولة قراراً برد الشحنة إلى مصدرها».
ويقول بيضون: «يبدو أن العجز عن تأمين الوقود لمعملي الزهراني ودير عمار (معملان حديثان وضخمان) دفع الوزارة لاستخدامها في المعملين القديمين (الجية والذوق)»، لكنه حذر من أن تشغيل المعملين بها «قد يلحق أضراراً بالوحدة الإنتاجية، فضلاً عن أن نصف قدرتها الإنتاجية ستضيع، لأنها ستنتج نصف ما تستطيع إنتاجه لو كانت مطابقة للمواصفات Grade A في المعامل الحديثة». وقال إنه لو كان هناك أي مشغل لمعملي الذوق والجية «لرفضا استخدامها»، في إشارة إلى أن عقد تشغيل المعملين انتهى قبل فترة، وباتت مؤسسة كهرباء لبنان هي من يتولى أعمال تشغيلهما.
والواضح أن اصطدام الحكومة بواقع صعب، جراء العجز عن تأمين الوقود للمعامل الحديثة، هو الدافع لاستخدامها. ولم يخفِ وزير الطاقة يوم الجمعة، حجم الأزمة. وأشار إلى أن تجديد العرض العراقي الذي يسمح للبنان بأخذ مليون طن وقود إضافي، سيكون بعد نفاد أول كمية – تنتهي في سبتمبر (أيلول) – مشيراً إلى أن هذه الكمية تستطيع تأمين نحو ثلاث ساعات من التغذية الكهربائية. كما أشار إلى «أننا كنا نعوّل سابقاً على البنك الدولي والغاز المصري والكهرباء من الأردن، إلا أن البنك الدولي وضع شروطاً جديدة، كزيادة التعرفة ووضع خطة لتغطية التكلفة والبدء بإجراءات إنشاء الهيئة الناظمة، ونحن من جهتنا نعمل على هذا الموضوع». وقال: «إننا حصلنا على قرار من مجلس إدارة كهرباء لبنان بزيادة التعرفة تزامناً مع زيادة التغذية»، لكن «المطلوب الآن موافقة وزارة المال على هذا الموضوع ومن ثم موافقة الحكومة».
ويحتاج لبنان إلى نحو 3 آلاف ميغاوات من الكهرباء، لكن تراجع القدرات المالية على شراء الوقود، حصر إنتاجه أخيراً بالمحطات الكهرومائية «التي تصل قدرتها الإنتاجية إلى نحو 100 ميغاواط»، وبمحطات عاملة على الوقود يزودها بها الاتفاق مع الحكومة العراقية. فقد بدأ لبنان منذ أغسطس (آب) الماضي تنفيذ الاتفاق القاضي بإعطاء لبنان شحنات من النفط الخام، تتم مبادلتها مع شركات أجنبية بنحو 40 ألف طن شهرياً من الوقود المشغل لمحطات الإنتاج.
وفشلت المساعي منذ عام، باستجرار الغاز من مصر، والكهرباء من الأردن، حيث وصل الممول (البنك الدولي) شرطاً يتمثل بضرورة البدء بتنفيذ الإصلاحات، واشترطت الولايات المتحدة موافقة البنك الدولي على التمويل، لقاء إعطاء القاهرة وعمان استثناء من عقوبات «قانون قيصر»، كون الغاز والكهرباء ستمر عبر الأراضي السورية.
ويرى بيضون أن هناك صعوبة بتنفيذ الإصلاحات فوراً، بالنظر إلى أنه اليوم حكومة تصريف أعمال، مما يعقد رفع التعرفة وتعيين أعضاء الهيئة الناظمة للقطاع، فضلاً عن أن الهدر قائم، والشبكة غير مضبوطة، ومقدمي الخدمات لا يقومون بواجباتهم بالكامل. ويقول: «يبدو أن تنفيذ الإصلاحات اليوم، صعباً، فضلاً عن أن خطة الطوارئ التي وضعتها الوزارة صعبة التطبيق، وخصوصاً مسألة إزالة التعديات في ظل الأزمات التي تعاني منها الأجهزة الأمنية، ورصد العدادات وإصدار الفواتير بشكل منتظم وتحصيل المطلوب»، وأضاف: «عندما كانت هناك دولة، لم ينفذ مشروع زيادة التعرفة وإزالة التعديات، فكيف سيتمكنون اليوم من تنفيذها؟ وكيف ستؤمن الحكومة المتعثرة 200 مليون دولار لتنفيذ الخطة؟» التي تستهدف زيادة التغذية الكهربائية إلى حدود 10 ساعات يومياً، علماً بأن زيادة التعرفة هو أحد المطالب الدولية لإصلاح القطاع وتخفيض العجز فيه.
وكشف بيضون أن المؤسسة كان لها بذمة المشتركين فواتير غير محصلة، نحو ألف مليار ليرة (665 مليون دولار) لحظة اندلاع الأزمة الاقتصادية في عام 2019. ولم يتم تحصيلها في ذلك الوقت، معرباً عن قناعته بأن هناك إدارة سيئة للمؤسسة، وتحتاج إلى إصلاح.