حرب بيانات بين ميقاتي وباسيل… وجعجع يدعو للانتقال من تنظيمهم إلى إعادتهم
أشعل القرار الرسمي اللبناني بصرف المساعدات المالية المخصصة للنازحين السوريين بالدولار الأميركي، سجالاً بين «التيار الوطني الحر» ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي نفى اتهامات التيار له بـ«الخضوع لرغبات الخارج بإبقاء النازحين في لبنان».
وتُضاف تلك السجالات، إلى مسار طويل من العلاقة المتوترة بين الطرفين، تعود إلى الفشل بتشكيل حكومة قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وتعززت الخلافات إثر قرار وزراء «التيار» بمقاطعة جلسات الحكومة في ظل الشغور الرئاسي. ولم تخلُ المرحلة بأكملها من سجالات بين الطرفين، غالباً ما كانت تنتهي ببيانات إعلامية مضادة، فيما واصل التيار مقاطعته لجلسات الحكومة.
واستغربت الهيئة السياسية في التيار بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب جبران باسيل «قيام رئيس الحكومة، وخلافاً لأي منطق، بالموافقة على دفع المساعدات المالية المخصصة للنازحين السوريين بالدولار الأميركي بناءً على طلب المفوضية العليا للاجئين، والتذرع بأن حاكم مصرف لبنان هو الذي وافق على الطلب».
واعتبرت في بيان، أن «القرار يحمل جرماً مزدوجاً، فهو يسدد للنازحين بالدولار فيما يحرم اللبنانيين منه، وينفذ قراراً لحاكم صدرت بحقه مذكرات توقيف وسقطت عنه الشرعية القانونية والأخلاقية، وهو ما يدلّ على العجز الكامل، السابق والحالي، لرئيس حكومة تصريف الأعمال في تنفيذ أي قرار أو إجراء فعلي يساهم بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، بل خضوعه التام لرغبات الخارج بإبقائهم في لبنان والاكتفاء بترداد بعض الكلام الإنشائي من دون أي تنفيذ».
رد ميقاتي
وردّ ميقاتي على الاتهامات قائلاً إن «التيار يواظب على إطلاق البالونات الإعلامية، لتحويل الأنظار عن المأزق الحقيقي المتمثل بعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ودور (التيار) التعطيلي في هذا الصدد، إضافة إلى عجزه عن تبرير منطق عدم المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء لتسيير شؤون البلد بحجة الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية، ومطالبته الحكومة في الوقت ذاته بتحمّل مسؤولياتها الكاملة وطلب عرض بنود على جدول أعمال مجلس الوزراء».
«زعم التيار الوطني الحر أن رئيس الحكومة يخضع لرغبات الخارج بإبقاء النازحين في لبنان في لبنان، مجرد افتراء لا يمت إلى الواقع بصلة»
مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي
ونفى ميقاتي، في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، «المزاعم» حول موافقته على دفع المساعدات المالية المخصصة للنازحين السوريين بالدولار الأميركي بناءً على طلب المفوضية العليا للاجئين، موضحاً أن «هذه الأموال في الأساس يتم تحويلها بالدولار، منذ أيام الحكومات السابقة، وليس لرئاسة الحكومة أي سلطة في هذا الموضوع»، علماً بأن وزراء «التيار» يشاركون بفاعلية في الاجتماعات التي «يعقدها دولة الرئيس مع المنظمات والهيئات الدولية ويعلمون حجم المشكلات والتعقيدات التي تحيط بهذا الملف الذي تتداخل فيه العوامل الداخلية بالاعتبارات الدولية والعربية».
وقال ميقاتي إن «محاولة النفاذ إلى هذا الملف للنيل من الحكومة أو لإشاعة أجواء تصعيدية وتحريضية، فهو أمر لن يجدي نفعاً، والأجدى، بدل إطلاق الاتهامات الباطلة، أن يتعاون الجميع مع الحكومة سعياً للتوصل إلى حل بالتفاهم مع الدول والمنظمات المعنية، علماً بأن المباحثات ما زالت قائمة مع الجهات الدولية المعنية لمتابعة هذه المسألة، بعلم وزراء (التيار)». واعتبر أن «كل الخطوات الاستعراضية التي قام بها (التيار) سابقاً والمؤتمرات التي عقدها، لم تتعد إطار الضخ الإعلامي، ليس إلا».
ورأى ميقاتي أن «زعم التيار الوطني الحر أن رئيس الحكومة يخضع لرغبات الخارج بإبقاء النازحين في لبنان في لبنان، مجرد افتراء لا يمت إلى الواقع بصلة، خصوصاً أن (التيار) الذي يتولى فعلياً مهام ملف النازحين يعلم حجم التعقيدات في هذا الملف الشائك واستحالة حلها بقرار لبناني أحادي».
وفي سياق تحميله مسؤولية إدراج لبنان على «المنطقة الرمادية»، قال ميقاتي إن حديث «التيار الوطني الحر» عن دور مزعوم لرئيس الحكومة في احتمال تصنيف لبنان في المنطقة الرمادية دولياً «كلام غير صحيح على الإطلاق، لأن ما يقوم به رئيس الحكومة والحكومة هو محاولة الإبقاء على سير عمل مؤسسات الدولة في انتظار انتخاب رئيس الجمهورية».
وتوجه إلى التيار بالسؤال: «هل ما يُشاع عن وضع لبنان على اللائحة الرمادية سببه عمل الحكومة الحالية للحفاظ على البلد، والمشاريع الإصلاحية التي أقرتها وتنتظر الإقرار النهائي حسب الأصول البرلمانية، أم نتيجة تراكمات ما تم القيام به في السنوات الماضية التي كان (التيار) مشاركاً أساسياً في قراراتها، في خلال عهد استمر ست سنوات وما قبله في السلطتين التشريعية والتنفيذية؟».
وقال إن القانون ينصّ على إجراءات لمعالجة قضية حاكم مصرف لبنان، وأضاف: «فليتفضل التيار وعبر وزيره الناطق بالعدل أن يعطينا رأياً قانونياً يسمح باتخاذ التدابير المناسبة بحق حاكم مصرف لبنان خلافاً لما أدلى به في اللقاء التشاوري الأخير، بدل أن يكتفي (التيار) ببيانات إنشائية وقنابل إعلامية دخانية لا مفعول لها سوى محاولة ذر الرماد في العيون».
جعجع
وفي السياق نفسه، دعا رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى وجوب «الانتقال من مرحلة تنظيم وجود المواطنين السوريين الموجودين حالياً على الأراضي اللبنانية، إلى مرحلة تنظيم عودتهم إلى بلدهم»، في ظل مطالب لبنانية متنامية لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم.
ويُقدر العدد الإجمالي للنازحين السوريين الموجودين بلبنان بحوالي مليوني نازح سوري، بحسب الأمن العام اللبناني، أي ما نسبته تقريباً 35 في المائة من سكان لبنان. ومن بين هؤلاء 804326 مسجلاً لدى مفوضية اللاجئين التي أوقفت تسجيل المزيد منهم بعد قرار الحكومة اللبنانية عام 2015.
وتصاعدت الدعوات خلال الشهرين الماضيين، لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وشرعت «المديرية العامة للأمن العام» بخطة تسجيل الراغبين بالعودة طوعياً إلى بلادهم، بغرض تسهيل مغادرتهم ضمن قوافل عودة منظمة. وتستند الحملة السياسية إلى توقيع لبنان مذكرة تفاهم مع مفوضية اللاجئين عام 2003 تفيد بأن لبنان ليس بلد لجوء.
وقال جعجع خلال لقائه ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إيفو فرايسن إن «كسر الجمود والستاتيكو على الساحة السورية يجب أن يؤدي حتماً إلى كسر الجمود والستاتيكو في ملف النزوح السوري إلى لبنان»، كما أكد أنه «من الواجب علينا الانتقال من مرحلة تنظيم وجود المواطنين السوريين الموجودين حالياً على الأراضي اللبنانية، إلى مرحلة تنظيم عودتهم إلى بلدهم».
وذكّر جعجع بأن «لبنان واللبنانيين أظهروا أقصى درجات الإنسانية وحسن المعاملة منذ بداية الأزمة السورية»، وأوضح «أن المسألة تخطت حدود الإنسانية ولم يعدْ بالإمكان معالجتها من خلال تقديمات اقتصادية، بل بات من الضروري مقاربتها بجدية منعاً لتفاقمها، باعتبار أن تخفيف الاحتقان الذي نشهده يبدأ عبر خطوات عملية سريعة».