IMLebanon

الشرق الأوسط: الراعي: نواب لبنان ينتهكون النظام بـ«دم بارد»

«حزب الله» حمّل «رافضي الحوار» مسؤولية إطالة الفراغ و«الوطني الحر» يتحدث عن «حملة ممنهجة» ضده

رفع البطريرك الماروني بشارة الراعي من وتيرة انتقاداته للنواب اللبنانيين بعد فشلهم في إنهاء الشغور الرئاسي المتواصل منذ 8 أشهر، واصفاً جلسة الانتخاب الـ12 بالـ«مهزلة»، ومؤكداً أن الدستور والنظام الديمقراطيّ «انتُهكا بدمٍ بارد»، في مقابل تأكيد «حزب الله» أن الجلسة «حملت رسالة واضحة وحاسمة بأن لا خيار إلا بالحوار»، محملاً رافضيه مسؤولية الاستمرار بالشغور الرئاسي، في حين قال «التيار الوطني الحر» إنه يتعرض لحملة ممنهجة على خلفية الترشيحات الرئاسية.

وفشل البرلمان، الأربعاء الماضي، للمرة الـ12، في إنهاء الشغور الرئاسي، حيث انقسم البرلمان بين قوى مؤيدة للوزير السابق جهاد أزعور، ويأتي في مقدمها «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب الكتائب اللبنانية» وبعض المستقلين والتغييريين، فيما التزم داعمو الوزير الأسبق رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية بالتصويت له، وفي مقدمهم «حزب الله» و«حركة أمل» وحلفاء لهما. وانسحب داعمو فرنجية بعد انقضاء الجلسة الأولى، التي نال فيها أزعور 59 صوتاً، وفرنجية 51 صوتاً، ما حال دون عقد جلسة انتخاب ثانية نظراً إلى فقدان النصاب القانوني (86 نائباً).

ويحتاج المرشّح في الدورة الأولى إلى غالبية الثلثين، أي 86 صوتاً، للفوز. وتصبح الغالبية المطلوبة إذا جرت دورة ثانية 65 صوتاً. لكن النصاب يتطلب حضور الثلثين في الدورتين.

وسأل الراعي في عظة الأحد: «كيف نستطيع مع شعبنا، الذي تكويه في الصميم هذه الأزمات، أن نقبل بمهزلة ما جرى في جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة الأربعاء الماضي، بعد 8 أشهر من الفراغ والانتظار، حيث انتُهك الدستور والنظام الديمقراطيّ بدمٍ بارد، وتوسّع جرح الانقسام والانشطار، في وقتٍ يحتاج فيه لبنان إلى شدّ أواصر الوحدة الداخليّة؟».

وأضاف: «أهكذا نحتفل بمئويّة لبنان المميّز بميثاق العيش معاً مسيحيّين ومسلمين، وبالحريّات العامّة، والديمقراطيّة، والتعدّديّة الثقافيّة والدينيّة في الوحدة؟ أهكذا ننتزع من لبنان ميزة نموذجيّته، ونجرّده من رسالته في بيئته العربيّة؟». وأكد الراعي أنه «لا بدّ من عودة كلّ مسؤول إلى الصلاة والوقوف في حضرة الله بروح التواضع والتوبة والإقرار بخطئه الشخصيّ، لكي يصحّح خطأه، ويتطلّع إلى حاجة الدولة والمواطنين من منظار آخر».

وعلى خطى الراعي، قال متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس، المطران إلياس عودة، إن «بلدنا يعاني بسبب يد الشر التي تتلاعب به وتتقاذفه غير آبهة إلا بمصالح من استعبدوا أنفسهم لخدمتها». وقال عودة: «اثنتا عشرة جلسة لانتخاب رئيس لم تكن سوى عمليات إجهاض تمنع إنقاذ بلد، يكون وطناً لجميع أبنائه»، وسأل: «لماذا هذا الأسر الذي يقبع فيه بعض النواب الذين يفترض بهم أن يكونوا أحراراً، وأصواتاً صارخة بصراخ الشعب اليائس؟».

 

«هل يؤيد الشعب حقاً تصرف نوابه وتقاعسهم عن القيام بواجبهم الأول، وهو انتخاب رئيس للجمهورية؟»

 

المطران إلياس عودة
وشدد عودة على أن «النيابة ليست هروباً من المسؤولية، بل هي تمثيل الشعب أحسن تمثيل»، وسأل: «هل يؤيد الشعب حقاً تصرف نوابه وتقاعسهم عن القيام بواجبهم الأول، وهو انتخاب رئيس للجمهورية، لا بالطريقة التي يريدونها، بل كما يمليه الدستور؟ هل أحسن التصرف من أدلى بصوته وغادر القاعة، وكأنه غير مهتم بالبلد ولا بنتيجة الاقتراع؟ هل هكذا تكون الممارسة الديمقراطية؟ وهل ضياع صوت أمر عادي لا يستحق الوقوف عنده أو الاعتراض عليه؟ ما هذه العبثية المدمرة؟ كيف سيُبنى وطن لا يستطيع نواب الشعب فيه احترام الدستور وانتخاب رئيس، بجدية وديمقراطية، رئيس لكل البلد، يشارك في عملية انتخابه جميع النواب، ويكون خادماً للشعب بأسره، لا لجماعات محددة فقط؟ ألم يحن وقت التخلي عن الأنانيات والمصالح من أجل إنقاذ البلد؟».

ويحول الاختلاف على أسماء المرشحين، وغياب أي أفق للتفاهم، دون إنهاء الشغور المتواصل منذ 8 أشهر، فيما لا يمتلك أي من الفريقين أكثرية نيابية تحسم التصويت. ويتبادل الطرفان شروطاً للحوار، حيث يشترط «حزب الله» أن يكون اسم فرنجية ضمن قائمة الأسماء التي يجب التحاور حولها، فيما يرفض معارضو وصوله ذلك، ويعتبرون أن إدراج اسمه هو شرط مسبق.

«حزب الله»: الحوار
وقال عضو المجلس المركزي في «حزب الله»، الشيخ نبيل قاووق، إن «جلسة الأربعاء حملت رسالة واضحة وحاسمة بأن لا خيار إلا بالحوار، ودعمت مسار الحوار بشكل ملموس، وباعدت أولئك الواهمين والحالمين عن شعاراتهم غير الواقعية، وأعادتهم إلى الواقع بأن شعاراتهم أكبر من أحجامهم، وأن البلد لا يحتمل مزيداً من المغامرات غير المحسوبة».

وقال، في تصريح له، إن «(حزب الله) و(حركة أمل) يجددان الموقف الوطني الداعي إلى حوار غير مشروط على مستوى المرشحين والمشاركين»، لافتاً إلى أن «(حزب الله) و(حركة أمل) لم يفرضا الشروط على أحد، ولم يطالبا بتخلي الآخرين عن مرشحهم من أجل الحوار، وإنما جماعة التحدي والمواجهة هم من يضعون شرطاً مسبقاً للحوار بأن يتخلى (حزب الله) و(حركة أمل) عن مرشحهما، وهذا هو الفرض بحد ذاته».
واعتبر أن «من يرفض الحوار، يتحمل مسؤولية إطالة أمد الفراغ الرئاسي، ويعمق الأزمة، ولا يتحمل المسؤولية الوطنية في هذه اللحظة التاريخية».

وفي السياق نفسه، اتهم «حزب الله» خصومه بأنهم لم يقدموا مرشحاً جدياً، حيث قال النائب إبراهيم الموسوي إن «الفريق الآخر قدّم مرشح مناورة لإسقاط ترشيح الوزير فرنجية، وهذا النكد السياسي لا يبني وطناً ولا يحل أي أزمة، هؤلاء لم يجتمعوا على برنامج أو رؤية للحل من خلال ترشيحهم المزعوم، وكانت نيتهم غير سليمة منذ البداية، وهذا كان سيأخذ لبنان إلى مشكلة كبيرة».

انقسام «التغييريين»
ولم تخلُ جلسة الأربعاء من تداعيات على بعض الكتل النيابية، بينها كتلة نواب «التغيير» التي انقسمت بين التصويت لأزعور، والتصويت للوزير الأسبق زياد بارود.

ورأى النائب إبراهيم منيمنة أن جلسة الأربعاء «أفرزت إقراراً بالتوازن السياسي داخل المجلس، ما يشكل فرصة للتفكير ملياً بكيفية المضي قدماً، في وقت لم ينجح الفريق الداعم لرئيس (تيار المردة) سليمان فرنجية بتثبيته، بعدما باتت تحيط ترشيحه علامات استفهام عدة»، وقال: «لو كان الأمر محسوماً لصالحه لمضى الرئيس نبيه بري نحو دورة ثانية وانتخابه رئيساً، لكن الوقائع مختلفة، وتثبت عدم القدرة على فرض مرشح».

وأيّد منيمنة، في حديث إذاعي، «أي حوار داخل مجلس النواب، عنوانه رئاسة الجمهورية، وفق أجندة واضحة، بعيداً عن التجاذب وصراع النفوذ، مع رفضه المطلق لانتخابات نيابية مبكرة، فالبلد لا يحتمل، والناس في مكان آخر»، داعياً إلى «التركيز على ما يمكن فعله في هذه المرحلة للخروج من المأزق».

«الوطني الحر»: حملة ممنهجة
قال «التيار الوطني الحر»، الذي يرأسه النائب جبران باسيل، إنه يتعرض لحملة ممنهجة، وذلك على خلفية التباينات بين أعضاء في تكتله النيابي حول الترشيحات للانتخابات الرئاسية، والاتهامات الموجهة لبعض نوابه بعدم الالتزام بالاقتراع لصالح المرشح الذي تقاطع فيه باسيل مع معارضين آخرين، وهو التصويت لأزعور.

وكان مفاجئاً حصول فرنجية على 51 صوتاً، ما دفع البعض للتشكيك بالتزام نواب «تكتل لبنان القوي» بالكامل بالتصويت لأزعور.
أكد النائب سيمون أبي رميا التزام نواب «التيار الوطني الحر» بالتقاطع الذي حصل مع القوى الأخرى حول الاستحقاق الرئاسي، داحضاً «كل الافتراءات والأكاذيب التي طالت نواباً من التيار في الانتخابات الرئاسية» يوم الأربعاء الماضي.

وفي لقاء مع ناشطين في «التيار الوطني الحر» في منزله في إهمج، قال أبي رميا: «إنها حملة ممنهجة يتعرض لها التيار، وسنتصدى لها بقناعاتنا المرتكزة على مصلحة لبنان ووحدة التيار». وأشار أبي رميا إلى أنه «لا يمكن تخطي الإرادة المسيحية، ولا يمكن فرض مرشح رئاسي بمعزل عن الحوار الصادق مع المكوّنات السياسية في البلد، ليكون لدينا رئيس إنقاذي وإصلاحي».