كتب محمد شقير
تترقّب الأوساط السياسية ما ستؤول إليه اللقاءات التي يعقدها الخميس الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين مع أركان الدولة اللبنانية، لعلَّه يتمكن من خفض منسوب القلق الذي أخذ يساورهم حيال جنوح إسرائيل نحو توسعة الحرب، امتداداً لتلك الدائرة بينها وبين حركة «حماس» في قطاع غزة، في ضوء تهافت الموفدين الدوليين، وجلّهم من الأوروبيين، إلى لبنان، حاملين في جعبتهم التحذير من أن التصعيد الإسرائيلي قد يؤدي إلى توسعتها، وهذا ما سمعوه في اجتماعاتهم مع رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، وأركان حربه، اللذين يحرّضان على الحرب.
ومع أن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، استبق عودة الوسيط الأميركي إلى بيروت بإعلانه الاستعداد للدخول في مفاوضات لتحقيق عملية استقرار طويلة الأمد في جنوب لبنان وعند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، والالتزام باتفاقية الهدنة والقرار «1701»، على أنه قد يكون تطبيق الحل الدبلوماسي للوضع في الجنوب، ومن ضمنه المرتبط بسلاح «حزب الله»، متلازماً مع وقف العدوان على غزة؛ فإن إعلانه في هذا الخصوص هو الأول منذ أن اشتعلت المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله»، تحت عنوان مساندته لـ«حماس» لتخفيف الضغط عنها.
فميقاتي، بإعلانه هذا، أراد تمرير رسالة للمجتمع الدولي؛ بأن لبنان الرسمي هو مَن يفاوض لوقف المواجهة الدائرة بين «حزب الله» وإسرائيل، وأن قرار السلم بيد لبنان، بينما تحتكر إسرائيل قرار الحرب، وذلك لتبديد ما كان أعلنه سابقاً؛ بأن قرار السلم والحرب ليس بيد الحكومة.
جاء موقف ميقاتي في أعقاب قول أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، إننا أمام فرصة تاريخية لتحرير كل شبر من بقية أرضنا اللبنانية من منطقة ب – 1 إلى مزارع شبعا، ما يفتح الباب أمام السؤال عن مدى التنسيق بين الحكومة والحزب، وما إذا كان على معرفة بوجود استعداد للدخول في مفاوضات تتعلق بتحديد الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل انطلاقاً من الوساطة التي يتولاها الوسيط الأميركي، رغم أن الحزب استبقها بتأكيد تلازم المسارين بين وقف العدوان على غزة وتهدئة الوضع في الجنوب، استعداداً للدخول في مفاوضات تؤدي إلى تسوية تتعلق بتحديد الحدود.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن الوسيط الأميركي سيلتقي ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، وقائد الجيش العماد جوزف عون، على أن يتوّج لقاءاته باجتماعه برئيس المجلس النيابي نبيه بري، ليغادر ليلاً بيروت، وبالتالي لا صحة لما تردد عن أنه يؤخر زيارته ريثما تصل السفيرة الأميركية الجديدة لدى لبنان، ليزا جونسون، لتسلُّم مهامها ومشاركته في لقاءاته.
وكشفت مصادر سياسية أن السفيرة جونسون ستصل إلى بيروت مساء، بعد أن يكون الوسيط الأميركي قد أنهى لقاءاته وغادرها، وقالت إنها ستقوم بزيارات تعارف لأركان الدولة، وستلتقي الرئيس بري، الثلاثاء المقبل.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن أقصى ما يمكن أن يتوصل إليه الوسيط الأميركي في لقاءاته ببيروت يكمن في أنه يأمل أن يكون وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن قد انتزع من نتنياهو وفريق حربه موافقته على عدم توسعة الحرب لتشمل الجنوب، بغية تمديد الفرصة له لمواصلة بحثه مع الحكومة اللبنانية، بإعطاء الأولوية للحل الدبلوماسي على العسكري، وذلك بإيجاد تسوية لتحديد الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
لكن يبدو، كما تقول المصادر نفسها، أن الوسيط الأميركي يقف أمام مهمة صعبة بسبب التباين بينه وبين الحكومة اللبنانية في مقاربتهما لتحديد الحدود البرية. وبالتالي، قد يكون المخرج الوحيد، حتى إشعار آخر، في تجاوب إسرائيل بعدم توسعتها للحرب واستدراجها لـ«حزب الله» إلى مواجهة تتجاوز ما هو حاصل اليوم على الجبهة الشمالية لتصل إلى شن حرب مفتوحة، خصوصاً مع استمرارها القيام بعمليات تستهدف اغتيال أبرز الرموز القيادية الميدانية في الحزب التي تشرف على تنفيذ الخطة التي يتوخى منها مساندته لـ«حماس».
وأكدت المصادر أن الخلاف بين الحكومة اللبنانية والوسيط الأميركي في مقاربتهما لتحديد الحدود البرية يكمن في أن لبنان، وإن كان يلتزم بتطبيق القرار «1701»، فإنه في المقابل يلتزم باتفاقية الهدنة الموقَّعة بين لبنان وإسرائيل، في مارس (آذار) 1949، بينما يصر هوكشتاين على حصر تحديدها طبقاً لما هو وارد في القرار «1701».
وقالت المصادر إن حصر الوسيط الأميركي تحديد الحدود البرية بمندرجات القرار «1701» يعني حكماً أن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ليستا مشمولتين بانسحاب إسرائيل منهما، كونه يبقى محصوراً بإخلائها للنقاط الـ13 التي سبق للبنان أن تحفّظ عليها، نظراً لعدم الانسحاب منها، مكتفية بخروجها من الحدود التي رسمها الخط الأزرق الذي لا تتعامل معه الحكومة على أنه خط الانسحاب النهائي المعترف به دولياً المنصوص عليه باتفاقية الهدنة، وفي الترسيم الحدودي الذي رعته فرنسا وبريطانيا عام 1923.
لذلك، فإن ميقاتي (بتمسكه باتفاقية الهدنة) يعني حكماً شموليتها لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهو يتناغم بموقفه مع ما طالب به نصر الله في خطابه الأخير، ويكون بذلك أخضعهما للسيادة اللبنانية، بدل إلحاقهما بالأراضي السورية، بينما تمتنع دمشق عن إيداع «مجلس الأمن الدولي» رسالة تؤكد فيها لبنانيتهما، وهذا ما يشكل إحراجاً لحليفها (حزب الله) الذي ليس في وارد الانزلاق للحرب، ما دامت طهران لا تحبذها.
ويبقى السؤال: كيف يمكن لميقاتي الخروج من دائرة القلق حيال الوضع في الجنوب، مع إصرار الموفدين الأوروبيين الذين يتهافتون للقائه، على التحذير من أن التصعيد الإسرائيلي ما هو إلا مؤشر جدي على توسعة الحرب؟ وهل ستؤدي جهود اللحظة الأخيرة إلى إنعاش الوساطة الأميركية؛ بتعهد واشنطن بأن توضع المزارع وتلال كفرشوبا تحت إشراف القوات الدولية (اليونيفيل) العاملة في جنوب لبنان؟
وأخيراً، هل لواشنطن مصلحة في تفلُّت الوضع في جنوب لبنان واحتمال امتداده إلى المنطقة؟ أم أن لديها القدرة على تبديد القلق اللبناني بالضغط على نتنياهو ومنعه من إقحام لبنان في حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، خصوصاً أن الاعتقاد السائد في بيروت أن تل أبيب لن تخوض حرباً بلا ضوء أخضر أميركي، لما لواشنطن من نفوذ في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يمنع إشعال حرب كهذه؟