IMLebanon

الشرق الأوسط: سقوط الأسد يستعجل انتخاب رئيس للبنان

 

أحدث تحولاً أطاح بـ«الممانعة» و«حزب الله» أمام تخليه عن خياراته

بيروت: محمد شقير

 

الانتقال السلمي للسلطة في سوريا بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد يضع لبنان أمام مرحلة سياسية جديدة، مع وقوفه على بُعد شهر من موعد انعقاد الجلسة النيابية، في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لانتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام للمؤسسات الدستورية وللعلاقات اللبنانية السورية، هذا في حال توافق النواب على رئيس لا يشكل تحدياً لأحد ويتمتع بالمواصفات التي حددتها اللجنة «الخماسية» التي مِن دونها لا يمكن إدراج اسم لبنان على لائحة الاهتمام الدولي، خصوصاً أن المجيء برئيس «كيفما كان» سيؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمات التي يتخبط فيها.

 

فالانتقال السلمي للسلطة في سوريا يعني، من وجهة نظر مصادر سياسية بارزة، أن المنطقة تقف أمام مرحلة من التحوّل لن يكون لبنان بمنأى عنها، وسترتد تداعياتها عليه، بما يتطلب من القوى السياسية في البرلمان أن تُباشر، منذ الآن، الإعداد للانخراط فيها بانتخاب رئيس للجمهورية على قياس التحديات التي تستدعي منها مراجعة حساباتها بما يسمح للبنان بالانضمام للنظام العالمي الجديد.

 

 

وتدعو المصادر السياسية الكتل النيابية لأخذ العِبر من التحول الذي تقف على مشارفه المنطقة ويضعها أمام مسؤولياتها في إنتاج الخطاب السياسي لمواكبة مفاعيل الزلزال الذي حلَّ بالمنطقة بسقوط النظام السوري، وخروج محور الممانعة بقيادة إيران من المعادلة السياسية. وتقول المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، إن المطلوب منها، وعلى رأسها «حزب الله»، بأن تتكيف على وجه السرعة مع الوضع المستجدّ في الإقليم، وهي تدرك، منذ الآن، أن المجتمع الدولي، وإن كان يُفضّل عدم التدخل في أسماء المرشحين للرئاسة، فإنه، في المقابل، لن يلتزم مسبقاً بدعم أي مرشح، مفضلاً أن يترك الحكم النهائي لاختبار مدى قدرته بالتعاون مع حكومة فاعلة لإخراج لبنان من التأزم، آخذاً بعين الاعتبار التزامه بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته؛ كونه يضع البلد تحت مجهر مراقبة دولية لا يمكنه التفلُّت من التزامه؛ لأنه الممر الإلزامي للبنان لتصويب علاقاته العربية والخارجية، بعد التصدع الذي أصابها وأدى إلى محاصرته.

 

وتلفت المصادر إلى أن تبادل «الفيتوات» المسبقة بين الكتل النيابية حول المرشحين للرئاسة يعني أن التوافق على رئيس لن يكون في متناول اليد، ما يطرح سؤالاً حول مصير جلسة الانتخاب، واحتمال تأجيلها بطلب من معظم الكتل النيابية؛ لأن رئيس المجلس النيابي يصر على انعقادها، ويمكن أن يتجاوب مع رغبتها إفساحاً للمجال أمام التوافق على رئيس «كامل الأوصاف» ولا يلقى اعتراضاً دولياً.

 

وتسأل المصادر نفسها: كيف سيتصرف «حزب الله»، وهل يصر على خياراته السياسية بعد سقوط نظام الأسد، وأين يقف الرئيس بري، وهل هناك ما يمنع الحزب من مراجعة حساباته والتدقيق فيها، خصوصاً أن سقوط نظام الأسد يعني أنه لم يعد هناك مكان لمحور الممانعة في المعادلة السياسية بالإقليم، وهذا يستدعي منه الانكفاء بملء إرادته للداخل ومدّ اليد لخصومه، بشرط أن يعاملوه بالمثل؛ لأن هناك ضرورة لاستيعابه واحتضانه، بدلاً من استضعافه و«محاكمته» على مواقفه، وهو يحضّر للَبْننة خياراته في ضوء إقراره بعدم صوابيتها؛ من إسناده لغزة، إلى قتاله دفاعاً عن الأسد.

 

وتؤكد أن «الحزب» دفع أثماناً غالية على المستويات كافة كان في غنى عنها لو أنه أحسن خياراته السياسية ولم ينخرط في الصراعات الدائرة بالإقليم، بدلاً من انخراطه في تحييد لبنان عن الحروب المشتعلة بالمنطقة ومبادرته إلى إسناد غزة بقرار غير مدروس أساء فيه التقدير لردّ فعل إسرائيل، واضطراره لوقوفه وراء الرئيس بري، وتسليمه بضرورة تطبيق القرار 1701 تحت إشراف هيئة رقابة دولية برئاسة الولايات المتحدة الأميركية.

 

 

أمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله مجتمعاً مع الرئيس السوري الأسد عام 2000 (أ.ف.ب)

وتدعو المصادر إلى عدم التشفي من الحزب، بالمفهوم السياسي للكلمة، وترى أن هناك ضرورة لاسترداده إلى مشروع الدولة، ورهانه على الدور المُوكل للرئيس بري؛ كونه الأقدر في انفتاحه على القوى السياسية، سعياً وراء التوصل إلى تسوية تنتج رئيساً توافقياً، عملاً لا قولاً، وتُبدي ارتياحها حيال ما صدر عن اجتماع رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، والرئيسين السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام، برعاية مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان. وتقول إن المطلوب، منذ الآن، تنفيس أجواء الاحتقان واستيعاب ارتدادات سقوط نظام الأسد على الداخل اللبناني.

 

وتقول المصادر نفسها إن للقاء الرؤساء الثلاثة في دار الفتوى أكثر من ضرورة مِن شأنها أن تسهم في خفض الرؤوس الحامية أينما وُجدت، وأيضاً في تحصين الاستقرار وتوفير المناعة السياسية للحفاظ على السِّلم الأهلي بتحييد لبنان عن التداعيات المترتبة على سقوط الأسد من جهة، ولقطع الطريق على من يحاول أن يستقوي بالتحول في سوريا ويسعى لصرفه في إعادة تكوين السلطة بلبنان.

 

وتُراهن على تعاون الرؤساء الثلاثة مع بري، والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وقوى في المعارضة لاحتضان الحزب، بشرط أن يلتقي جميع هؤلاء في منتصف الطريق لإعادة الاستقرار للبنان، بدءاً من بوابة الجنوب، رغم أنه لا شيء يمنع «الحزب» من أخذ العِبر في تقويمه مواقفه من زاوية فيم أصاب وفيم أخطأ، وصولاً لالتحاقه بالتسوية السياسية على قاعدة استعداده للَبْننة خياراته، في حين يستعد للانتقال إلى التكيف مع المرحلة الجديدة، بخلاف المرحلة السابقة التي تزعّم فيها محور الممانعة في الإقليم الذي أُصيب، بسقوط الأسد، بضربة قاسية لا يمكن لإيران النهوض منها ما لم تتوقف عن تدخلها في دول الجوار، والذي أدى إلى عزلها عربياً ودولياً.

 

لذا ترى المصادر أن انتقال لبنان إلى مرحلة جديدة يجب أن ينسحب على انتخاب الرئيس الذي يُفترض أن يتمتع بمواصفات «الخماسية» ويحظى بتأييد مسيحي وازن يُرضي الثنائي الشيعي ولا يتحدّاه، وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عن مدى صحة ما يتردد في الكواليس من أنه يضع «فيتو» على قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يجمع الجميع، سواء أكانوا في المعارضة أم في الموالاة، على دور المؤسسة العسكرية في الحفاظ على السِّلم الأهلي، رغم أن الرئيس بري كان قد أعلن سابقاً أن انتخابه يتطلب تعديلاً للدستور، في حين أكد الحزب، على لسان نائب رئيس مجلسه السياسي محمود قماطي، عدم وضع «فيتو» على اسمه، فهل يتوصلان إلى قناعة بانتخابه بخلاف كل ما يُشاع.