Site icon IMLebanon

الشرق الأوسط: البنك الدولي يتهم المسؤولين اللبنانيين بـ«تعمّد» إهمال الإصلاحات

 

استبق البنك الدولي لقاء وفد من إدارته الإقليمية مع رئيس الجمهورية ميشال عون أمس، بتوجيه اتهامات مباشرة إلى «صانعي السياسات اللبنانيين»، وتحميلهم مسؤولية «الكساد المتعمد» للاقتصاد الوطني، وهو العنوان الذي اختاره لتقرير مسهب عممه مبكراً، وتوجه بخلاصة صادمة جزمت بربط أي تمويل للانتعاش الاقتصادي، بوجوب استعادة الثقة بين الحكومة والمواطنين، وبين الحكومة والمستثمرين، وبين الحكومة والمانحين. واتهم التقرير السياسيين اللبنانيين بأنهم «تعمدوا» التأخر في اتخاذ إجراءات إصلاحية فعالة؛ ما أدى إلى تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل.

 

وأكد ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، أن «غياب التوافق السياسي حول الأولويات الوطنية يعيق بشدة قدرة لبنان على تنفيذ سياسات إنمائية متبصرة طويلة الأجل». موضحاً أنه «يتعين على الحكومة الجديدة أن تنفذ على وجه السرعة استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، مع اتخاذ تدابير قصيرة الأجل لاحتواء الأزمة، واتخاذ تدابير متوسطة إلى طويلة الأجل للتصدي للتحديات الهيكلية».

 

ونظراً للصعوبات التي يمر بها لبنان وافتقاره إلى احتياطيات كافية من النقد الأجنبي، يعتبر التقرير أن المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ضرورة لتحقيق الانتعاش وإعادة الإعمار الشاملين. لكنه ينبه إلى أن تعبئة المعونات والاستثمارات ومداها وسرعتها، تتوقف على ما إذا كان بإمكان السلطات والبرلمان العمل سريعاً على إصلاحات المالية العامة وإدارة الحكم والإصلاحات المالية والاجتماعية التي تشتد الحاجة إليها. إذ إنه من دون تلك الإصلاحات، لا يمكن أن يتحقق تعاف مستدام ولا إعادة إعمار، وسيواصل الوضعان الاجتماعي والاقتصادي تدهورهما.

 

ومع التركيز على الشرط المسبق بالتزام صانعي السياسات اللبنانيين بإعادة بناء اقتصاد أكثر إنتاجية وإنصافاً ومرونة، يطرح التقرير خريطة طريق إصلاحية شاملة للمناقشة. وتهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية. وتضع إصلاحات الحوكمة والمساءلة في مركز الصدارة، إلى جانب تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي في إطار سعيها إلى إعادة بناء الثقة. وتتضمن الخطة خمس ركائز أساسية تتضمن: برنامجاً لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، وحزمة إصلاحات الحكم والمساءلة، ومجموعة إصلاحات تطوير البنية التحتية، إصلاح الفرص الاقتصادية وحزمة إصلاحات لتنمية رأس المال البشري.

 

وفي معرض التشخيص الذي تضمنه التقرير، ورد «أن الافتقار المقصود إلى إجراءات سياسية فعالة من جانب السلطات أدى إلى تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل، عقب مرور عام على نشوب الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان، والذي يعاني استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث باتت هجرة العقول تمثل خياراً يائساً على نحو متزايد. ويتركز عبء التعديل الجاري في القطاع المالي بشكل خاص على صغار المودعين الذين يفتقرون إلى مصادر أخرى للادخار، والقوى العاملة المحلية التي تحصل على مستحقاتها بالليرة، والشركات الصغيرة».

 

ويضيف «اختلفت السلطات فيما بينها حول تقييم الأزمة وتشخيصها وحلولها. وكانت النتيجة عدداً كبيراً من التدابير غير المنسقة وغير الشاملة وغير الكافية في مجال السياسات العامة، وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وأخفقت الحكومة في وضع سياسة للمالية العامة تتسق مع إطار متوسط الأجل للاقتصاد الكلي ذي مصداقية».

 

كما لفت إلى أن دعوة القطاع المصرفي إلى إنقاذ القطاع المالي من قبل القطاع العام لا تتفق مع مبادئ إعادة الهيكلة التي تحمي دافعي الضرائب. بينما فشلت السلطات النقدية في معالجة أزمة أسعار الصرف وارتفاع التضخم. ولم تتخذ الحكومة بعد التدابير اللازمة للتخفيف من حدة الفقر عبر معالجة الآثار الاجتماعية للأزمات على الأسر الفقيرة والمحرومة من خلال تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.

 

ومن المرجح، بحسب ترقبات معدي التقرير، «أن تستمر معدلات الفقر في التفاقم، لتغطي أكثر من نصف السكان. حيث إن انكماش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية وارتفاع التضخم سيؤديان إلى زيادة كبيرة في معدلات الفقر وسيؤثران على السكان من خلال قنوات مختلفة مثل فقدان فرص العمل المنتجة، وانخفاض القوة الشرائية الحقيقية، وتوقف التحويلات الدولية. ومن المرجح أن تغتنم اليد العاملة العالية المهارة الفرص المحتملة في الخارج؛ مما يشكل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد».

 

وتوقع تقرير البنط الدولي أن يتراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل حاد يصل إلى 19.2 في المائة العام الحالي، بعد انكماشه بنسبة 6.7 في المائة في العام الماضي، في حين أدى انهيار العملة إلى معدلات تضخم تجاوزت حد 100 في المائة. ويعمل التضخم بمثابة ضريبة تنازلية شديدة، تؤثر على الفقراء والمحرومين بشكل غير متناسب، وكذلك الأشخاص ذوو الدخل الثابت مثل المتقاعدين. وأدى التوقف المفاجئ في تدفق رؤوس الأموال الوافدة إلى استنفاد احتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. ولا يزال تحويل الودائع بالدولار إلى الليرة اللبنانية والاقتطاع من الودائع بالدولار جارياُ على الرغم من التزام مصرف لبنان والبنوك التجارية بحماية الودائع.