مواقف تحثها على خطوات ملموسة… وميقاتي يركز على وقف «التهريب والإساءات»
كثف رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي تحركاته داخليا لمعالجة «المقدور عليه» من متوجبات البيان السعودي الفرنسي الأخير، من منطلق أن ثمة ملفات هي أكبر من قدرة حكومته ذات «الطموحات المتواضعة» كما تقول مصادر مطلعة على موقف رئيس الحكومة لـ«الشرق الأوسط»، معتبرة أن ثمة قضايا تحتاج إلى «توافق واسع لمقاربتها» في إشارة إلى الملفات المرتبطة بقرار السلم والحرب والقرارات الدولية المتعلقة بلبنان.
وأوضحت المصادر أن ميقاتي يسعى للبدء بمعالجة الملفات التي تستطيع حكومته مقاربتها، وفي مقدمتها موضوع مكافحة تهريب الممنوعات إلى المملكة عبر لبنان، كما في سعيه إلى منع الإساءة للدول العربية ووقف الشحن السياسي وكل ما يمكن أن يكون خروجاً عن «الموقف اللبناني التاريخي المتمسك بأفضل العلاقات مع الدول العربية».
وقالت مصادر أخرى إن ميقاتي ينظر بقلق إلى رد فعل «حزب الله» الذي صمت مسؤولوه ووسائل إعلامه، فيما خرج مقربون منه للتهجم على البيان المشترك، والغمز من قناة الموقف الفرنسي، موضحة أن ميقاتي يتخوف من إقدام الحزب على ما قد يعرقل الإيجابيات التي أفرزها البيان داخلياً.
وزار ميقاتي أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وأطلعه على تفاصيل الاتصال الذي تلقاه يوم السبت الماضي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال اجتماعهما في جدة والنقاط التي تم البحث فيها.
وترأس ميقاتي اجتماعاً موسعاً لمتابعة موضوع الإجراءات الحدودية وحل الإشكالات التي حصلت مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. وشارك في الاجتماع وزراء: الدفاع العميد موريس سليم، الداخلية بسام مولوي، الخارجية عبد الله بو حبيب، الزراعة عباس الحاج حسن والصناعة جورج بوشكيان، مدير عام الجمارك ريمون خوري، رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس، واتحاد مجالس رجال الأعمال اللبنانية – الخليجية برئاسة سمير الخطيب.
وقال الوزير مولوي بعد الاجتماع إن «المطلوب منا هو اتخاذ إجراءات سريعة وعملية تثبت أن الحكومة تقوم بواجباتها بضبط الحدود، والمطار والمرفأ وكل المعابر». وقال: «يجب أن نصل إلى نتيجة للحد من التهريب الحاصل عبر لبنان، وقد أكدتُ كوزير للداخلية بأن هناك أكثر من عملية ستُكشف قريباً، وهناك عملية تهريب كبتاغون كُشفت بالأمس وتتم متابعتها وقد تم توقيف المعنيين بها، وسنتابع القيام بالإجراءات، وسنعطي أجوبة عملية لما يحصل من تهريب، وما يمكن أن يهدد علاقتنا بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج، لذا يجب أن تكون إجاباتنا واضحة في هذا الشأن، وقد شدد وزير الصناعة أيضاً على هذه الخطوة».
وأضاف «المطلوب منا إجراءات سريعة وجدية، وسنتخذ إجراءات متلاحقة في هذا المجال، وسيكون لدينا اجتماعات متكررة بطلب من دولة الرئيس ميقاتي من أجل أن تكون المتابعة اليومية أمام المجتمعين. سنقوم بواجباتنا على أكمل وجه ولا نريد أن يُقال إن هناك مشكلة تتعلق بالتصدير وبالتهريب عبر لبنان، وبأن الدولة اللبنانية لم تتخذ أي إجراء عملي».
وعن عملية ضبط كمية من الكبتاغون أول من أمس قال: «أطلب متابعة كل الإجراءات القضائية حتى لو كانت هذه المواد صُنعت خارج لبنان وأُدخلت إليه لتغيير اسم الشركة وإعادة توضيبها، فإن أي شركة تتورط بهذه العملية سيُسحب ترخيصها وستتوقف عن العمل وسيُعلن عنها».
وأعلن مولوي عن إنشاء مديرية مركزية لمكافحة المخدرات، وهي منصوص عنها في قانون مكافحة المخدرات ولم تُطبق لغاية اليوم.
إلى ذلك أشاد الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة بـ«البيان المشترك الصادر عن المملكة العربية السعودية وفرنسا. واعتبر أن «البيان يشكل أهمية استثنائية في هذه الظروف الدقيقة، ويحسم الجدل تجاه الكثير من المواضيع المطروحة في المنطقة العربية، ولا سيما ما يتعلق بالعراق وسوريا واليمن ولبنان والمنطقة العربية ككل». وأضاف «أما فيما يتعلق بالموقف من لبنان وقضاياه، فقد جاء البيان واضحاً لجهة التمسك بتنفيذ اتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، والتزام تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان في شتى القطاعات ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع استقرار المنطقة».
واعتبر أن هذا البيان «يجب أن يشكل بوصلة أداء بالنسبة للحكومة اللبنانية، ولجميع الأطراف الحريصة على أن يخرج لبنان من أزماته الراهنة، وأن ينتج عن ذلك موقف سياسي واضح يتخطى الخلافات الثانوية، وبما يصون الوطن والشعب ووحدة الدولة اللبنانية وسلطتها الكاملة وقرارها الحر، ويستفيد من هذا التأييد الدولي والعربي المتجدد، وبما يسمح للبنانيين في التطلع إلى مرحلة نهوض جديدة، والعمل الجاد والمثابر نحوها».
ورأى أن «هذا البيان يمكن أن يشكل بداية مرحلة جديدة بالنسبة للبنان، وإعادة تجديد الثقة بإمكان نهوضه من جديد، واستعادته لدوره وتوازنه ونموه، ولسلطة دولته الواحدة، وعلاقاته الأخوية والمتينة مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وجميع الدول الشقيقة والصديقة في العالم».
وأكد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط أن «استعادة لبنان من المحور الإيراني تحتاج إلى ظروف دولية تسمح للبلد بأن يكون موجوداً». ورأى أنه «إذا منحت مبادرة ماكرون إمكانية انعقاد الحكومة من أجل القيام بالإصلاحات البديهية وإقرار البطاقة التمويلية تكون (معجزة)، واصفاً البيان المشترك السعودي الفرنسي بأنه موضوعي يصر على تطبيق القرارات الدولية».
وشدد على أنه «دستورياً لا يمكن للرئيس ميشال عون التمديد وهذا الأمر مخالف للدستور ويجب أن يسلم الرئاسة».
وتمنى النائب نعمة طعمة، أن يتلقف ساسة لبنان النتائج الإيجابية التي تمخضت عن لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «حيث نال لبنان حيزاً مهماً من المباحثات»، مشدداً على ضرورة «الالتزام بوقف الحملات على المملكة العربية السعودية ولكل ما يسيء لأمنها واستقرارها بصلة»، ومعتبراً أنه لا مناص للبنان إلا أن تبقى العلاقة مع المملكة من الثوابت والمسلمات فهي رئة لبنان الاقتصادية والسند له في الملمات والشقيق الذي وقف إلى جانبه في السراء والضراء، فكفى لبنان الكثير من المصائب والانقسامات والخلافات والانحدار الاقتصادي والحياتي والمعيشي والهجرة لشبابه وتردي مؤسساته وقطاعاته ومرافقه، فالتاريخ يؤكد على أفضل العلاقات مع الرياض، ولا يمكننا أن نغرد خارج عروبتنا وأن نعي ما يحيط بنا من مخاطر وظروف استثنائية.