لبنان: لا انفراجات في الأزمة السياسية والاتصالات ترحّل استقالة الحكومة إلى الغدّ
ريفي لـ {الشرق الأوسط}: مصرون على محاربة الدويلة والعقل المافياوي
لم تكد أزمة النفايات تنفرج جزئيًا من خلال الحلّ الذي توصلت إليه اللجنة الوزارية، والبدء بجمع نفايات بيروت الكبرى وجبل لبنان وتوزيعها بالتوازي على ثلاثة مطامر مع إعطاء حافز الدعم المالي للبلديات التي تقع المطامر المستحدثة في نطاقها الجغرافي، حتى عادت الأزمة السياسية إلى مربعها الأول، منذرة باستقالة حكومة تمام سلام يوم غدٍ الخميس في ظلّ عدم تحقيق أي خرق في جدار هذه الأزمة.
ويفترض أن تشكل جلسة مجلس الوزراء المقررة، غدًا، منعطفًا مهمًا في مسار الأزمة المفتوحة على كل المخاطر، وهي ستكون محل اختبار القوى السياسية الممسكة بقرار التعطيل، وتجعل رئيس الحكومة ومجلس الوزراء بكامل أعضائه، رهينة شرطها بحصر جدول أعمال الجلسة ببند واحد، وهو البحث في آلية عمل الحكومة، يتبعه بند التعيينات الأمنية والعسكرية.
لكن سلام تلقى أمس، دعم المملكة العربية السعودية عبر سفيرها في لبنان علي عواض عسيري، الذي زاره أمس في السرايا الحكومي. وأعلن بيان وزعته السفارة السعودية في بيروت، أن «المملكة العربية السعودية حريصة كل الحرص على أمن لبنان واستقراره ومؤسساته الدستورية وفي مقدمها الحكومة التي تثق بحكمة رئيسها ووطنيته وحرصه على المصلحة الوطنية العليا». وأكد بيان السفارة السعودية أن «المملكة تعتبر أن الحكومة هي صمام الأمان وتعريضها للضغط في هذه المرحلة الدقيقة قد ينطوي على عواقب ليست في مصلحة لبنان، كما أنها تشجع كل القوى السياسية اللبنانية في كل مناسبة على إبعاد لبنان عن التشنجات وتهدئة الساحة الداخلية وتفعيل عمل الحكومة لتتمكن بتضافر جهود وزرائها من إيجاد حلول للأزمة الحالية وتسيير شؤون المواطنين وتسليم الأمانة إلى رئيس جديد للجمهورية وفق الأصول الدستورية». فيما أشار السفير عسيري إلى أن الزيارة التي قام بها إلى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام «هي لتقديم التهنئة بعيد الفطر المبارك وللتشاور معه في الأوضاع الراهنة وللتعبير له عن دعم المملكة لحكومته ولأجهزة الدولة كافة».
واللافت أن الاتصالات التي تكثّفت منذ صباح أمس على أثر إعلان سلام تأجيل جلسة مجلس الوزراء إلى صباح الخميس، لم تفلح حتى مساء أمس، في تليين التصلب العوني، بحسب ما عبرت مواقف وزراء اجتمعوا برئيس الحكومة، أبرزهم وزير الاتصالات بطرس حرب، الذي دعا الجميع إلى «تحمل مسؤولياته والخروج من جو الضغط والابتزاز السياسي». وأكد أن «رئيس الحكومة سيتخذ (غدًا) الموقف الذي لا يجعله شاهد زور، ولا يجعله عاجزًا عن العمل، لأنه هو من يتحمل اليوم مسؤولية إدارة البلد مع مجلس الوزراء في غياب رئيس الجمهورية، والذي سببه إفراغ الرئاسة، ولن يبقى متفرجًا ولا يستطيع القيام بأي شيء، لأن هناك فريقا يأخذه في اتجاه التعطيل الكامل للبلد ومصالحه». وأضاف حرب: «يوم الخميس سنتعاون جميعا لإيجاد المخرج بروح إيجابية، إلا أننا إذا وصلنا في نهاية الجلسة ونهاية النقاش إلى حائط مسدود، فعندها هناك مواقف سياسية ستتخذ، وهذه المواقف ستكلف من يعطل مجلس الوزراء أكثر بكثير من لو أنه سهل انعقاد مجلس الوزراء».
وكانت التحركات الاحتجاجية على أزمة النفايات تواصلت أمس، وأقدم عدد من الشبان الذين يستقلون دراجات نارية، على قطع الطريق أمام مسجد الأمين، ومنعوا المواطنين من عبور هذا الطريق بالقوة، وألقوا حاويات النفايات في وسط الطريق. كما اعتدوا على سيارة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي صادف مروره في هذا الوقت في المنطقة، وتهجموا عليه بالكلام النابي. وأعلن درباس أن «هؤلاء الأشخاص ليسوا بمعتصمين، إنما هم بضعة أشخاص ليست لديهم أية قاعدة». وقال: «هؤلاء لم يعتدوا علي فحسب، إنما اعتدوا على المواطنين». وأكد أنه تعرف على أحد المعتدين ويدعى طارق الملاح. وعلى أثر تبلّغه بالحادث أعطى النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود توجيهاته إلى النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، أمرا بإجراء تحقيق سريع في حادث الاعتداء، وكشف هوية المعتدين على الوزير درباس وتوقيفهم.
في هذا الوقت، أعلن وزير العدل اللواء أشرف ريفي أنه يضمّ صوته إلى صوت النائبة بهية الحريري بالاعتذار من العاصمة بيروت وأهلها على ما تحملته في موضوع النفايات. وأكد ريفي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «موقف أبناء الشمال وخصوصًا أهالي عكار (شمال لبنان) الرافض لاستقبال نفايات العاصمة، لم يكن موجهًا إلى أهالي بيروت الذين لهم موقعهم في قلوب أبناء عكار، بقدر ما كان موجهًا إلى بعض القوى المافياوية التي تستغل الوطن في كل الأزمات». وعبر عن أسفه لأن «العقل المافياوي والميليشياوي بدأ يعشعش في مصالح الدولة في الوقت الذي يواجه الوطن الكثير من التحديات الداخلية والخارجية».
وزير العدل دعا إلى «وضع حدّ للسلوكيات التي ظهرت في شوارع بيروت، التي اعتدت على الناس وكانت ترمي النفايات في الطرق وتحرقها وتحتجز المواطنين في الشوارع لساعات». وأكد أن «بناء الوطن يمرّ حتما بإلغاء الدويلة والتصدي للعقلية المافياوية التي تستغل كل المشاريع لمصلحتها». وسأل ريفي: «هل يعقل أنه بعد 10 سنوات ولبنان لا يزال محرومًا من الطاقة الكهربائية، في وقت تدفع خزينة الدولة سنويًا مليار و200 مليون دولار تذهب إلى جيوب هذه المافيا؟». وأكد أن «قيمة فاتورة سنة واحدة تكفي لبناء معامل تؤمن الكهرباء بشكل دائم إلى كل لبنان». وختم ريفي كلامه بالقول: «بقدر إصرارنا على محاربة الدويلة، نصر أيضا على محاربة العقل المافياوي الذي يضرب الدولة ومصالح كل اللبنانيين».