IMLebanon

لبنان: التلويح بفرض ضرائب إضافية أعاد المظاهرات إلى الشارع

لبنان: التلويح بفرض ضرائب إضافية أعاد المظاهرات إلى الشارع

الحكومة اللبنانية في مأزق الأزمة السياسية والتحركات الشعبية الضاغطة

بعد أقل من شهر على توافق القوى السياسية على وجوب إعادة تفعيل العمل الحكومي بما بدا أّنه بمثابة إقرار بعدم قدرة الأطراف المعنية على وضع حد للشغور الرئاسي المتمادي منذ مايو (أيار) ٬2014 عادت الضغوط السياسية والمالية والشعبية تطرق أبواب مجلس الوزراء بقوة على خلفية تلويح عدد من المسؤولين بإمكانية فرض ضرائب جديدة لسد عجز الخزينة٬ مما دفع الهيئات النقابية ومجموعات الحراك المدني إلى استباق أي قرار مماثل بالنزول إلى الشوارع للتحذير من شرارة تشعل البلد.

ويرزح لبنان تحت وطأة تحديات سياسية هائلة٬ باعتبار أن الأزمة الرئاسية تعطل معظم المؤسسات الدستورية٬ وعلى رأسها الحكومة ومجلس النواب الذي مدد ولايته مرتين على التوالي٬ ويرفض عدد من الكتل النيابية تفعيل عمله ما دام أنه لا يوجد رئيس للبلاد.

وعلى الرغم من الاستقرار الأمني النسبي الذي شهدته الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة٬ فإن التحديات الأمنية الكبرى تظل قائمة مهددة بانهيار الوضع في أي لحظة٬ خصوصا أن الحدود الشرقية مع سوريا تبقى غير آمنة على الإطلاق٬ ما دام أن جزءا كبيرا منها محتل من تنظيمي داعش وجبهة النصرة٬ والحدود الجنوبية رهينة الصراع المستمر بين لبنان وإسرائيل.

وتبقى التحديات المالية هي الأخطر في الوقت الحالي بغياب الرؤية الاقتصادية الصحيحة للحكومات المتتالية التي لم تبذل عناء إقرار موازنات تحدد الإيرادات والنفقات منذ أكثر من عشر سنوات.

ولا يتردد عدد كبير من الوزراء الحاليين بالتعبير عن سخطهم مما آلت إليه الأمور٬ ومن عدم قدرتهم على تحقيق إنجازات تذكر على الصعيد الوطني. وهو ما عّبر عنه وزير الاقتصاد الآن حكيم الذي اعتبر أن أي إنجازات وإن تحققت تتم حاليا ضمن الوزارة الواحدة بمقابل انكفاءات بالجملة على الصعيد العام٬ مستهجنا إقرار عدم كبير من المراسيم أخيرا من دون تحديد مصدر الإيرادات للمشاريع التي يتبناها مجلس الوزراء. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إنها محاولات لذر الرماد في العيون.. أقررنا خطة ترحيل النفايات التي تتطلب تمويلا ما بين 200 و300 مليون دولار٬ إلا أن أحدا لم يتحدث عن مصدر هذا التمويل. وبالأمس أقررنا مرسوم تثبيت متطوعي الدفاع المدني ولم يتم التطرق أيضا إلى مصدر الإيرادات».

ويستغرب حكيم من «استسهال عملية مد اليد إلى جيوب المواطنين وبالتحديد الفقراء منهم بطرح زيادة سعر صفيحة البنزين»٬ مشددا على أن هناك كثيرا من مصادر التمويل الكفيلة بسد العجز. وأضاف: «لن نقبل بفرض الضرائب على البنزين٬ والمطلوب إعادة النظر في السياسة الضريبية العقارية٬ وإعادة تفعيل عمل الهيئات الرقابية والمناقصات العامة٬ وتحسين إيرادات المرافق العامة»٬ متسائلا عن وجهة الـ2.5 مليار دولار التي يجب أن تكون في خزينة الدولة جراء انخفاض سعر النفط.

وقّدم وزير المالية علي حسن خليل٬ خلال اجتماع الحكومة يوم أمس (الأربعاء)٬ عرضا مفصلا عن الوضع المالي للدولة٬ مبينا الأرقام المتعلقة بمجموع الإنفاق وبقيمة الاحتياطي المتوفر٬ شارحا أن الإنفاق قد ارتفع مقابل واردات لم ترتفع بالنسبة نفسها٬ مشيرا إلى أن أي إنفاق إضافي سيزيد قيمة العجز٬ مما يوجب أن يقابل هذا الإنفاق الإضافي مداخيل إضافية.

وفي حين طمأن وزير الاقتصاد بأن الوضع المالي «غير السليم لكّنه ليس كارثيا»٬ أكد الخبير المالي وليد أبو سليمان أن «مالية الدولة بخطر»٬ لافتا إلى أن «الإنفاق زاد مليارا و400 مليون دولار في عام 2015 في وقت تراجعت فيه الإيرادات 800 مليون دولار». وقال أبو سليمان لـ«الشرق الأوسط»: «العجز ارتفع وتخطى 10 في المائة من الناتج المحلي٬ أي عتبة الـ4.7 مليار دولار٬ مما أّدى إلى ارتفاع الدين العام لحدود سبعين مليار دولار».

واعتبر أبو سليمان أن الأسباب الرئيسية لوصول مالية الدولة للحالة التي وصلت إليها هي وباختصار «غياب الشفافية٬ وعدم إقرار موازنات منذ عشر سنوات٬ وعدم قطع الحساب٬ واستمرار الإنفاق العشوائي٬ وغياب الرؤية الاقتصادية السليمة كما السياسة المالية التي تتيح للدولة إلجام العجز». وأضاف: «التجاذبات السياسية المستمرة تفاقم وبشكل مباشر الأزمة المالية٬ إذ إن تعثر عمل الحكومة ومجلس النواب يعّطل أي إصلاحات٬ والأهم يجعل إقرار موازنة عام 2016 الذي كان يجب أن يتم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي متعثرا».

وتكشف أزمة النفايات المتمادية منذ أكثر من 7 أشهر على الرغم من إقرار خطة ترحيلها٬ حجم العجز الذي ترزح تحته هذه الحكومة التي كان من المفترض أن تنتهي مهامها مع انتخاب رئيس للجمهورية قبل نحو عامين. وقد استطاعت حتى الساعة الحفاظ على حد أدنى من تماسكها بوجه الضغوط الشعبية المستمرة المطالبة بإسقاطها.

وبالأمس عاد ناشطو مجموعتي «بدنا نحاسب» و«طلعت ريحتكم» إلى الشارع٬ للتصدي لأي قرار برفع سعر صفيحة البنزين٬ فجابوا شوارع وسط بيروت٬ حيث مقر مجلس الوزراء٬ مطلقين أبواق سياراتهم التي رفعوا لافتات كتب عليها «الفساد يقتل أطفالنا والجشع يفرغ جيوبنا»٬ و«إيدكم عن جيبتنا»٬ و«لن ندفع» و«لماذا التكتم على حالات الوفيات جراء أزمة النفايات؟».