سيغريد كاغ لـ «الشرق الأوسط»: ما يحكى عن تزايد تسلح حزب الله.. مثير للقلق
المنسقة الخاصة للأمم المتحدة لدى لبنان نفت وجود خطة لتوطين اللاجئين السوريين
بيروت: ثائر عباس
نفت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة لدى لبنان سيغريد كاغ بشكل قاطع وجود خطة دولية لتوطين اللاجئين السوريين إلى لبنان٬ مؤكدة أنه «لا نقاش حول توطين اللاجئين السوريين ولا خطة لإدخاله حيز التنفيذ».
وكشفت كاغ٬ في حديث مع «الشرق الأوسط» أجري في بيروت قبل يومين٬ أن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مصحوًبا برئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي للتنمية٬ هدفت إلى «تركيز الجهود٬ والنظر في التحديات التي يواجهها لبنان٬ وفي الأمور التي يمكن ويجب فعلها لمساعدة المواطنين اللبنانيين الأكثر عرضًة للخطر٬ بالإضافة إلى تقديم المساعدة الدائمة اللازمة للاجئين السوريين». وقالت كاغ إن «إقامة اللاجئين المؤقتة المتوقعة في لبنان تتطلب قدًرا أكبر من الدعم»٬ مشيرة إلى أن «الجهود حثيثة لتزويد لبنان بالتمويل بشروط ميسرة على مدى أطول يتعدى موضوع المساعدة الإنسانية٬ مما سيعود بالنفع على البلاد بعد وقت طويل من عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم». وفي الشأن اللبناني٬ أكدت كاغ أن المجتمع الدولي «ملتزم بدوره من خلال دعم الجيش اللبناني٬ والمؤسسات الحكومية٬ والشراكة مع حكومة تمام سلام لضمان الاستثمارات على المستوى الاجتماعي الاقتصادي٬ ودعم الجيش٬ وحفظ الاستقرار»٬ متوقفة عند التعثر في انتخاب رئيس جديد للبلاد منذ ما يقارب العامين. وعن الحدود الجنوبية مع إسرائيل٬ قالت: «إذا نظرنا إلى الهدوء النسبي على طول الحدود منذ مدة تبلغ عشر سنوات٬ فإن ذلك مذهل نسبًة إلى كل المتغيرات والمخاطر المحتملة»٬ لكنها رأت أن «ماُيحكى عن تزايد تسلح (ماُيسمى) حزب الله هو بالتأكيد مثير للقلق». وفي ما يلي نص الحوار:
* برزت مواقف سياسية متعددة من زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى لبنان٬ لا سيما فيما يتعلق بمسألة توطين اللاجئين السوريين٬ فهل من مخططات لتنفيذ ذلك على أرض الواقع؟
لا٬ على الإطلاق. دائًما ما يفاجئنا هذا السؤال الذي لعله يدل على القلق المتفشي بين اللبنانيين. من هذه الناحية٬ يمكن أن يكون التحدث عن الموضوع مفيًدا لأنه يذكرنا بأن المواطن اللبناني قلق ولا يعرف ما يخبئه له المستقبل. لذلك٬ من المهم أن نوضح ونكرر ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بصراحة في اجتماعاته كلها٬ وما عبر عنه رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب٬ إذ نفيا وجود نية للتوطين أو مجرد البحث في الموضوع أو التخطيط له.
لقد كانت الغاية من زيارة الأمين العام٬ مصحوًبا برئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي للتنمية٬ تركيز الجهود٬ والنظر في التحديات التي يواجهها لبنان٬ وفي الأمور التي يمكن ويجب فعلها لمساعدة المواطنين اللبنانيين الأكثر عرضًة للخطر٬ بالإضافة إلى تقديم المساعدة الدائمة اللازمة للاجئين السوريين. لكن ينبغي ألا نكون ساذجين٬ لا سيما أننا أصبحنا في السنة السادسة على بدء الأزمة. لذلك٬ فإن إقامة اللاجئين المؤقتة المتوقعة في لبنان تتطلب قدًرا أكبر من الدعم٬ ولهذا السبب بالتحديد حضر رئيس البنك الدولي برفقة رئيس البنك الإسلامي للتنمية. إن الجهود حثيثة لتزويد لبنان بالتمويل بشروط ميسرة على مدى أطول يتعدى موضوع المساعدة الإنسانية٬ مما سيعود بالنفع على البلاد بعد وقت طويل من عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم كما آمل. بمعًنى آخر٬ إن الأمر محسوم: لا خطة لتوطين اللاجئين. طبًعا٬ هذا لا ينفي ضرورة حماية اللاجئين وتقديم المساعدة عن طريق مشاركة المجتمع الدولي في تحمل المسؤولية٬ لكن يبقى موضوع التوطين قراًرا سيادًيا للدولة اللبنانية. من جهتنا٬ لا نقاش حول التوطين ولا خطة لإدخاله حيز التنفيذ.
* لكن الوضع هو نفسه مع اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يزالون هنا منذ عام ٬1948 وذلك يثير الكثير من المخاوف..
أتفهم ذلك حقا٬ لكن الحالَتين مختلفتان تماًما.
* لعل عدد اللاجئين في لبنان بات يساوي نصف عدد السكان اللبنانيين؛ فكيف يؤثر هذا الأمر في لبنان وكيف يمكن التعامل معه؟
يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نحو 1.1 مليون لاجئ (1.055.984 لاجًئا بالتحديد). وتقدر «الأونروا» عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بنحو 300.000 لاجئ٬ وهو عدد أقل من عدد اللاجئين المسجلين رسميا في «الأونروا». لكن لا أظن أن المهم في الوقت الراهن قول إن عدد اللاجئين يبلغ مليوًنا وكذا٬ فلا ريب في أن الأمر جدي٬ إذ كل شخص من بين ثلاثة أو أربعة أشخاص على الأراضي اللبنانية هو لاجئ حالًيا. لم تستطع أي دولة أخرى في العالم التأقلم مع الموضوع أو تدبر أمره. لذلك٬ أظن أن الغاية من زيارة الأمين العام كانت ما نكرره كلنا٬ وهو عميق شكرنا٬ وإعجابنا٬ وتقديرنا للشعب اللبناني٬ والحكومة اللبنانية٬ وجميع الشركاء.
* كيف يمكننا السيطرة على تأثير الأزمة السورية في الاقتصاد٬ والبنى التحتية٬ والخدمات الاجتماعية في لبنان؟
على المستوى السياسي٬ من الواضح أن البحث عن أفق للحل السياسي للأزمة السورية أمر ضروري٬ أعني بذلك مؤتمَري جنيف وفيينا٬ والكثير من الجهود منصبة على ذلك حالًيا. وفي الوقت نفسه٬ يجب تقديم قدر أكبر من الدعم المستمر للبنان. فعند النظر إلى بعض المشاريع المطروحة٬ وإلى البرامج التي قدمتها الحكومة في مؤتمر لندن٬ ترى أنها تعكس احتياجات لبنان الكبرى: البنى التحتية٬ والاستثمار في قطاع التعليم٬ وضمان ارتياد جميع الأطفال اللبنانيين المدارس لكي نتمكن من المساعدة في تبديد الهواجس٬ والتصدي لإحساس اللبنانيين بأن «السوريين يأخذون فرص عملنا»٬ وسؤالهم: «لماذا الأطفال الذين يرتادون المدارس هم سوريون وليسوا لبنانيين؟»٬ أعلم أن الأمور على أرض الواقع مغايرة لذلك٬ في قطاع التعليم بالحد الأدنى٬ لذلك يجب علينا التوضيح والشرح٬ لكن يجب علينا أيًضا إثبات صحة ما نقول. وأظن أن التغير الأكبر الذي نجم عن مؤتمر لندن كان انطلاق الجهود الحثيثة للنظر من جديد في إمكانية خلق فرص عمل للبنانيين أيًضا. فكما نعلم٬ فإن معدلات البطالة في لبنان مرتفعة وهي إلى ازدياد. وما نسمعه هو أن الشباب لا يعلمون إن كان لهم مستقبل في هذا البلد أو إذا كانوا سيجدون فيه فرصًة للازدهار والنمو. لذلك٬ لا بد من التعاون بين الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي.
لبنان هو عنصر إيجابي في المنطقة٬ فهو تعددي٬ وديمقراطي٬ وفريد من نوعه من عدة نواٍح٬ ويتسم سكانه بالقوة والحيوية٬ لكن ينبغي أن نعمل بجد أكبر لنضمن أن لبنان سيحقق إمكانياته. إنما لحدوث ذلك٬ يجب أن تكون مؤسسات الدولة فعالة٬ ويجب أنُينتَخب رئيس للجمهورية٬ ويجب أن يكون النظام الحكومي فعال من أعلى الهرم إلى أسفله. وقد أشار الأمين العام إلى ذلك٬ كما يشير إليه مجلس الأمن مراًرا. وقد كان رئيس البنك الدولي واضًحا جًدا في بيانه الصحافي منذ أيام٬ إذ قال إننا إن كنا سنؤمن لكم قروًضا٬ فنحن بحاجة إلى التشريعات اللازمة من جانبكم للموافقة عليها. هكذا يعمل العالم.
* هل من مخططات لإرسال اللاجئين إلى بلدان أخرى؟
إن الجهود لإرسال اللاجئين إلى بلدان أخرى مستمرة٬ لكن الإحصاءات منخفضة جدا في الوقت الراهن. في مؤتمر جنيف الذي عقدته المفوضية العليا للاجئين أخيرا٬ جرى طرح احتمال إرسال 10 في المائة من اللاجئين في تركيا٬ ولبنان٬ والأردن إلى بلدان أخرى على سبيل المثال. لكنني لا أعرف كيف كانت الردود على ذلك. وبطبيعة حال٬ في لبنان حين يسمع الناس اقتراح الـ10 في المائة٬ وتكون نسبة اللاجئين على أرضهم لاجئ لكل ثلاثة أو أربعة مواطنين٬ أتفهم توجسهم من الاقتراح. لكن يجب علينا بذل الجهود على جميع المستويات.
* هل لديكم أي مخاوف من أن تودي مسألة رئاسة الجمهورية إلى حال من الفوضى في لبنان؟
برأيي٬ من الخطر التكهن بما سيحدث في المستقبل. كل ما رأيناه حتى الآن أن الأحزاب والتيارات السياسية والمسؤولين كلهم يرغبون في تجنب المزيد من الركود والإخلال باستقرار البلاد. والمجتمع الدولي ملتزم بدوره من خلال دعم الجيش اللبناني٬ والمؤسسات الحكومية٬ والشراكة مع حكومة تمام سلام لضمان الاستثمارات على المستوى الاجتماعي الاقتصادي٬ ودعم الجيش٬ وحفظ الاستقرار. لكن ما نراه وقد أعربت عن ذلك مراًرا أمام مجلس الأمن يشعرنا بالقلق لأن الوضع الراهن ليس بلا نهاية٬ بل إن تردي مؤسسات الدولة سيكون له تداعيات. ولبنان موجود في بيئة سريعة التأثر وكثيرة المخاطر. لذلك٬ كلما جرى التطرق إلى مسألة الرئاسة بسرعة أكبر٬ كان ذلك أفضل لناحية احتمال استقرار البلاد وضمان استقرارها الفعلي. وأنا أعتقد أن التركيز على فرص لبنان الضائعة واجب كذلك. أنتم تبلون خير بلاء في هذه الأزمة٬ لكن الكثير من الفرص تضيع عليكم كذلك بالنسبة إلى التجهز للمستقبل: الاستثمارات المتوقفة٬ والتغيرات التي لا تدخل حيز التنفيذ٬ والقوانين التي لاُتَقر. كل هذا وقت ضائع لن يعود.
* كيف تقيمون الوضع على الحدود الجنوبية اليوم في ظل القرار 1701 والتقرير الفصلي حول تنفيذه؟
في يوليو (تموز)٬ ستكون قد مضت عشر سنوات على القرار 1701. إذا نظرنا إلى الهدوء النسبي على طول الحدود منذ مدة ستبلغ عشر سنوات في يوليو من هذه السنة٬ فإن ذلك مذهل نسبًة إلى كل المتغيرات والمخاطر المحتملة. وفي الوقت نفسه٬ تبقى الرسالة التي أنقلها دائًما إلى مجلس الأمن والتي يشير إليها الأمين العام في تقاريره أن خطر سوء التقدير من الطرَفين قائم وقد يكون له تداعيات كبيرة على السكان في الجانَبين. ولا داعي لذكر الانتهاكات التي ترد في كل تقرير.
لا يسعني إلا أن أقول إن قلًقا دائًما لدينا هو أن خطر حدوث الخطوات غير المحسوبة أو ارتكاب الأخطاء سيكبر إذا بقيت بعض الأمور بلا حل. لذلك٬ من واجبنا تذكير الطرَفين بالبحث عن الفرص لإحداث التقدم وتقليص عوامل الخطر. وإذا نظرت إلى هذه السنين العشر التي مضت٬ فإن كثيًرا من تفاصيل القرار لمُتطبق فيما يتعلق بمزارع شبعا٬ وقرية الغجر٬ وترسيم الحدود مع سوريا. يجب استئناف الجهود على الكثير من النواحي لأنها مقدمات لا غًنى عنها في تحقيق قدر أكبر من الاستقرار. فكما نعلم٬ إن غياب النزاع أو العنف لا يساوي الاستقرار.
* ينص القرار 1701 عن حل الميليشيات وراء الليطاني٬ لكننا نشعر بأنها في كل مكان.
إن إحدى أهم وسائل تعزيز مؤسسات الدولة٬ وهي وسيلة تتصدى لمسألة الميليشيات٬ تكمن في دعم الجيش اللبناني بالطبع. لذلك٬ نعمل على التنسيق الوثيق والتشاور مع الجيش اللبناني لكن نعمل أيًضا على دعمه سياسًيا وتأييده لضرورته في الحفاظ على استقرار لبنان حالًيا٬ ولكونه إحدى الوسائل لتطبيق جزء من القرار 1701. هذا أمر بالغ الأهمية. ويجب ألا ننسى أن الأمين العام زار وزير الدفاع وقائد الجيش لتأكيد أهمية دور الجيش اللبناني٬ ليس لكونه مؤسسًة وطنيًة فحسب٬ بل لكونه عاملاً مهًما لضمان استقرار لبنان٬ وسيادته٬ ووحدة أراضيه. ولكن٬ أيًضا فيما يتصل بتطبيق القرار ٬1701 فماُيحكى عن تزايد تسلح (ما ُيسمى) حزب الله هو بالتأكيد مثير للقلق. لا داعي لأكرر ما ورد في تقرير الأمين العام الأخير حول القرار 1701.
* ما رأيكم بدور الأمم المتحدة في ترسيم الحدود البحرية؟
بموجب القانون الدولي للبحار٬ لا ترسم الأمم المتحدة الحدود البحرية. أما ما طالبت به الحكومة٬ فكان بذل المساعي الحميدة من قبل الأمم المتحدة٬ وذلك دور سياسي دبلوماسي. وقد جرى تقديم هذا الطلب إلى الأمين العام. وهو لا يتضمن دوًرا عملياتًيا عسكرًيا على أرض الواقع. لا ترسم الأمم المتحدة الحدود البحرية٬ كل ما في الأمر تقديم طلب إلى الأمم المتحدة لبذل المساعي الحميدة.
* ما خطط الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين ونقص التمويل؟
ينطوي الموضوع على مسألتين٬ إحداهما الإصلاحات التي تضطلع بها «الأونروا» في إدارة الموارد المحدودة في ظل الضغوط الهائلة التي ما تنفك تواجهها.
«الأونروا» مضطرة إلى التعامل مع مسألة النمو السكاني٬ ومن الصعوبة الشديدة أن تتناسب الميزانية مع الظروف حتى في أحسن الأحوال. لذلك٬ فإن عدًدا كبيًرا من التدابير هي تدابير إصلاحية تستهدف المستوى الرسمي على المدى الطويل. لكن لا شك في أن أحوال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خاصة جًدا بسبب وضعهم القانوني٬ وغياب فرص العمل بالنسبة إليهم٬ وحساسيات البلد الذي يعيشون فيه.
وقد نقلت هذه المسألة إلى مجلس الأمن وناقشتها مع الأمين العام ولفّت نظره إليها٬ كما فعل رئيس الحكومة تمام سلام وباقي الوزراء. لكن الحالة خاصة وملحة٬ ونحن نبحث في الخيارات المتاحة. ولعل في ذلك فرصة جديدة لتدعم بعض دول الخليج استقرار لبنان٬ لكن هذه المرة عن طريق الالتزام بتقديم المساعدة لـ«الأونروا»٬ لأن أي تزعزع واضطراب لأحوال الفلسطينيين في لبنان سيزيد ظروفهم سوًءا.
كما أن ذلك سيعني تحديات جديدة بالنسبة إلى لبنان٬ والنظام٬ والدولة. ولا ريب في أننا متخوفون في لبنان وفي الدول الأخرى كلها من خطر التطرف. فإحدى المجموعات السكانية مهمشة بما يكفي وذلك الحال في كل المجموعات السكانية٬ إذ نلمس ذلك في أوروبا أيًضا وخطر التطرف مرتبط نوًعا ما بالتهميش المستمر. لذلك٬ أعتقد أن علينا الاستمرار في استثمار إمكانياتنا في هذا الوقت. هذه كانت فحوى الطلب الذي أدليت به أمام مجلس الأمن