لبنان: التمديد «أهون الشرور» للقيادات الأمنية والعسكرية
غير مدرجة على بنود مجلس الوزراء اليوم.. وأثيرت مع قرب انتهاء ولاية قائد الجيش
لا يقتصر النقاش حول تمديد ولاية المسؤولين الأمنيين على كونه مادة للتجاذب السياسي بين الأقطاب السياسية الرئيسية في لبنان٬ بل يضيء على عمق الأزمة التي وصلت إليها البلاد والتي جعلت مع الاستثناء الدستوري قاعدة٬ وتعكس عجًزا سياسًيا عن التوافق على الملفات الداخلية٬ بدأت من التمديد للبرلمان لنفسه مرتين متتاليتين٬ ووصلت إلى الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية لأكثر من عامين.
وتجدد النقاش حول التعيينات الأمنية للمرة الثالثة منذ عام ٬2013 إثر قرب انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي بلغ الـ62 من العمر٬ ومددت ولايته مرتين متتاليتين٬ علًما بأن النقاشات في الأروقة السياسية تشير إلى إمكانية التجديد له سنة إضافية٬ ليتم بذلك 44 عاًما في الخدمة الفعلية في الجيش. وتزامن النقاش أيًضا مع قرب انتهاء ولاية رئيس أركان الجيش اللواء وليد سلمان الذي يمنع القانون تمديد ولايته مرة أخرى٬ فضلاً عن انتهاء ولاية الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء الركن محمد خير في 21 أغسطس (آب) الحالي٬ الذي مددت ولايته مطلع العام الحالي.
ويأتي ذلك بعد سلسلة مراسيم تمديد لقادة أمنيين صدرت عن الحكومة منذ عام 2013 .فبعد الفشل في الاتفاق على اسم لمنصب مدير عام قوى الأمن الداخلي في عام ٬2013 إثر انتهاء ولاية اللواء أشرف ريفي (وزير العدل الحالي)٬ تولى اللواء إبراهيم بصبوص مهام المدير العام لقوى الأمن الداخلي بالإنابة٬ استناًدا لقرار وزير الداخلية والبلديات٬ قبل أنُيعين مديًرا عاًما لقوى الأمن الداخلي بموجب المرسوم في أبريل (نيسان) 2014 .وأُّجل تسريحه بموجب قرار وزير الداخلية في يونيو (حزيران) ٬2015 وتنتهي ولايته العام المقبل 2017 .كما تم التمديد في وقت سابق لمدير المخابرات في الجيش العميد أدمون فاضل الذي أحيل إلى التقاعد مطلع العام الحالي٬ وُعين بدلاً عنه٬ في وقت يعتبر مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم غير ممدد له٬ كذلك مدير عام أمن الدولة اللواء جورج قرعة.
ويدخل الوزراء إلى اجتماع الحكومة اليوم٬ من غير أن يكون على جدول الأعمال بند التعيينات الأمنية. وأكدت مصادر رئاسة الحكومة لـ«الشرق الأوسط» أن ملف التعيينات الأمنية غير مدرجة على جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم الخميس٬ مشيرة إلى أن جدول الأعمال «سيبحث البنود التي كانت على جدول الأعمال السابق ولم يتسّن للحكومة مناقشتها».
لكن ذلك٬ لا يمنع أن يبادر وزير الدفاع لتقديم اقتراح من خارج جدول الأعمال٬ نظًرا لأن هذا الملف يعتبر قانوًنا من صلاحياته. وكان أعلن وزير الدفاع سمير مقبل في وقت سابق٬ أن الواجب يقتضي أن يطرح وفق الآلية المتفق عليها للتعيين ثلاثة أسماء٬ وعلى مجلس الوزراء تعيين أحدهم٬ وفي حال لم يتم ذلك فإنه سيمدد مؤقًتا لقائد الجيش.
وباستثناء فريق عون في الحكومة اللبنانية٬ لا يمانع معظم الأقطاب التمديد لقائد الجيش اللبناني الذي تنتهي ولايته في 30 سبتمبر (أيلول) المقبل٬ على قاعدة أن لبنان٬ في هذه الظروف الأمنية التي يعيشها٬ لا يمكن أن يكون جيشه٬ الضابط الأمني للحدود٬ بلا قائد. ويعبر عن هذا الموقف وزير الإعلام رمزي جريج بقوله لـ«الشرق الأوسط»: «أنا كوزير في الحكومة٬ مع التعيين في المواعيد المستحقة٬ إنما إذا كانت هناك استحالة في تعيين قائد جديد للجيش٬ لعدم توافق أركان الحكومة على اسم المسؤول الأمني٬ في هذه الحالة هناك إمكانية لتأجيل تسريح قائد الجيش لسنة واحدة»٬ مضيًفا: «بالنظر إلى الظروف الأمنية التي يعيشها لبنان٬ لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بالفراغ في قيادة الجيش٬ وإذا سقط خيار التعيين٬ عندها يبقى التمديد أهون الشرور».
وتختلف قضية التمديد لقائد الجيش عن ملف رئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان٬ إذ يعتبر التمديد له غير جائز قانوًنا٬ مما يضطر الحكومة لتعيين رئيس جديد للأركان٬ علًما بأنه إذا لم تتمكن من تعيينه٬ فإن هناك آلية ليحل مكانه أحد الضباط في الأركان٬ ليكون رئيًسا بالتكليف.
ويكشف اللجوء إلى خيار التمديد٬ ترهلاً في الجسم السياسي اللبناني الذي يلتف على الأزمات٬ بحًثا عن مخارج٬ في ظل الفشل في التعيينات أو حل القضايا الخلافية. ويعتبر الفشل في انتخاب رئيس٬ رأس الأزمات٬ إذ يساهم وجوده في حل الكثير من القضايا التي تحتاج إلى قرارات بالإجماع من مجلس الوزراء بغيابها.
ويقول جريج إن قضية انتخاب رئيس للجمهورية تتصدر جميع الأولويات٬ وفشل ذلك «في ظل إصرار فريق على عدم إتمام النصاب القانوني لانتخاب الرئيس إذا لم يتم انتخاب مرشحه»٬ مشيًرا إلى أن الفشل بملء الشغور الرئاسي٬» يترك ظلاله على سائر التعيينات»٬ مشدًدا على أن «تعطيل انتخاب الرئيس٬ يؤدي إلى تعطيل سائر المؤسسات».
والواضح أن القاعدة الدستورية المتبعة في لبنان٬ُكسرت بغياب رئيس للجمهورية٬ بعدما خرقت بتمديد البرلمان لنفسه٬ حيث يعتبر ذلك «خرًقا للمبدأ الدستوري٬ إذ أصبحت عمليات التمديد عملية وجهة نظر»٬ كما يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي سامي نادر لـ«الشرق الأوسط»٬ مشيًرا إلى أن «خرق القاعدة الدستورية٬ وعدم احترامها٬ يحيلها إلى مادة للسجال السياسي».
وإذ يلفت نادر إلى أن «البلد بات خاضًعا للتجاذبات السياسية٬ مما يحول الاستثناء إلى قاعدة»٬ يرى أن الخلافات والتجاذبات «هي دليل عجز٬ ودليل سقوط المؤسسات وتوقف الحياة الدستورية»٬ كما أنها «دليل على عدم القدرة على الاتفاق على أصغر الملفات٬ كان أبرز دليل عليها ملف النفايات٬ وهو دليل عجز عن اتخاذ القرارات حول طاولة مجلس الوزراء».
ولم يشهد لبنان تجاذبات على التمديد للقادة العسكريين٬ إلا في السنوات الأخيرة٬ علًما بأن قائد الجيش كان يعين من قبل رئيس الجمهورية قبل اتفاق الطائف ٬1989 بينما بات مجلس الوزراء مجتمًعا يعين قائًدا للجيش بعد الطائف٬ وفق آلية التصويت بالنصف زائد واحد.
وسجل في التاريخ العسكري٬ استدعاء الضابط المتقاعد العميد إسكندر غانم من الاحتياط في عام ٬1970 وتم تعيينه قائًدا للجيش بدلاً من العماد جان نجيم الذي قتل في حادث تحطم مروحية٬ وذلك بمرسوم من مجلس الوزراء٬ لُيحال مرة أخرى إلى التقاعد وتعيين العماد حنا سعيد مكانه قائًدا للجيش. كما أن العماد إميل لحود الذي تولى قيادة الجيش في عام ٬1989 تم التمديد له لمدة عامين في عام ٬1996 حين بلغ الستين عاًما من عمره٬ وتولى سدة الرئاسة في عام 1998 حين كان بعمر 62 عاًما.
وبحسب القانون العسكري٬ فإن الضباط من رتبة عميد٬ يبلغون سن التقاعد في عمر 58 عاًما٬ بينما يبلغ الضباط من رتبة لواء السن القانوني بعمر 59 عاًما٬ كما يبلغ الضباط برتبة «عماد»٬) وهي الرتبة الحصرية بقائد الجيش) السن القانونية بعمر الستين عاًما. غير أن الجدل الأخير حول أحقية الضباط بالتمديد٬ يعود إلى استنباط قانوني حول سنوات الخدمة التي يفترض أن تبلغ 43 عاًما في الخدمة الفعلية للضباط برتبة لواء٬ و44 عاًما للضباط برتبة عماد.
ويرى رئيس مركز «الشرق الأوسط» للدراسات٬ العميد المتقاعد من الجيش اللبناني هشام جابر٬ أن التمديد للضباط الذي حصل في السنوات الأخيرة٬ هو «تمديد سياسي أكثر مما هو تمديد قانوني عسكري»٬ معتبًرا أن التمديد «يجب أن يكون حصًرا بموجب مرسوم من مجلس الوزراء»٬ لافًتا إلى أن إيكال المهمة لوزير الدفاع «تندرج ضمن إطار المخارج القانونية». ويرى أن التمديد لقادة الأجهزة الأمنية شهده لبنان «هو هروب إلى الأمام في بلد ينسحب فيه التعطيل على كل شيء»٬ مضيًفا: «يلجأون إلى التمديد لأنهم غير قادرين على تعيين أحد في ظروف التعثر السياسي التي يعيشها البلد».