لبنان: تنامي المخاوف من فراغ حكومي طويل بعد تبدد زخم انتخاب عون وتكليف الحريري
قيادي في «المستقبل» لـ«الشرق الأوسط»: إحياء «الترويكا» وفرض «المثالثة» يعيقان التشكيل
أطاحت انشغالات رئيس الحكومة المكلف٬ النائب سعد الحريري٬ بالمؤتمر العام لتيار المستقبل نهاية الأسبوع الماضي٬ كما سفر وزير الخارجية جبران باسيل إلى البرازيل٬ بما تبقى من زخم رافق عمليتي انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتكليف الحريري بتشكيل الحكومة. فالمعطيات المتوافرة حاليا لا توحي بانفراجات قريبة على صعيد عملية التأليف التي يؤخرها في الظاهر الصراع على حقيبة الأشغال٬ وبالباطن محاولة القوى الرئيسية في البلد فرض ذهنية جديدة في طريقة التعاطي واتخاذ القرارات تبقى قائمة حتى بعد الانتخابات النيابية المقبلة٬ وخلال عملية تشكيل الحكومة التي تليها.
وبحسب قيادي بارز في تيار المستقبل٬ ف ّضل عدم الكشف عن هويته٬ فإن العقدة التي تؤخر عملية تأليف الحكومة «لا تتعلق بحقيبة ما٬ بل بمحاولة رئيس المجلس النيابي و(حزب الله) إحياء الترويكا (تقاسم السلطة بين الرؤساء الثلاثة الذي كان معمولاً به في التسعينات في عهد الرئيس إلياس الهراوي والرئيس رفيق الحريري والرئيس نبيه بري)٬ وفرض المثالثة أمرا واقعا في كل الاستحقاقات٬ انطلاقا من استحقاق تشكيل الحكومة الذي ينص الدستور على أنه من مهام رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»٬ إن «بري يحاول إرساء قاعدة تقول إن أي حكومة سوف تتألف يجب أن تكون ثلاثية الأضلاع وليست حكرا على الرئيسين
الحريري وعون٬ وهو ما ُيعد فرضا للمثالثة٬ وإن كان ليس من خلال تعديل الدستور واتفاق الطائف٬ إنما من خلال اعتماد التصعيد والتعطيل الذي أثبت جدواه في عملية انتخاب رئيس للجمهورية».
ولا يبدو أن أًيا من الفرقاء المعنيين مباشرة بعقدة وزارة الأشغال٬ إلا وهم حزب «القوات اللبنانية» وبري وتيار «المردة»٬ بصدد تقديم أي تنازلات في هذا الخصوص. ففيما جدد رئيس المجلس النيابي تمسكه بالحقيبة من منطلق أنها كانت من حصته في حكومة تصريف الأعمال٬ وأ ّكد قياديون في تيار «المردة» عدم استعدادهم للتنازل عن حقهم بالحصول على إحدى الوزارات الثلاث بين الطاقة والاتصالات والأشغال٬ قالت مصادر قيادية في حزب القوات لـ«الشرق الأوسط»٬ إن «هناك من يسعى لإفشال عملية تشكيل الحكومة والضغط على الرئيس عون من خلال تأخير انطلاقة عهده٬ وهو يتحجج بوزارة الأشغال». وتساءلت المصادر: «إذا كان كل فريق سيتمسك بالحصة الوزارية التي كانت معه بالحكومة السابقة٬ فلماذا لا يرضى النائب فرنجية بحقيبة الثقافة التي كانت معه؟».
واعتبرت المصادر أن هناك من يحتمي بالمردة بحجة التعطيل٬ وأضافت: «لا نفهم لماذا يصرون على إقحام أنفسهم بالحصة المسيحية من خلال فرض الوزارة التي يتوجب على فرنجية توليها؟ هل أقحمنا أنفسنا بحصتهم وطالبنا مثلا بتوزير النائب عقاب صقر؟».
ولم يصدر عن الاجتماع الذي جمع يوم أمس رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف في القصر الجمهوري٬ ما يؤشر لقرب إعلان الولادة الحكومية. ففيما تحدث عون عن مواصلة العمل على حلحلة عقد تأليف الحكومة٬ أكد الحريري تفاهمه مع رئيس الجمهورية على الأمور كافة٬ لافتا إلى وجود بعض العقبات في مسار تشكيل الحكومة و«سنحاول حلحلتها»٬ مشددا على أن مصلحة البلد والمواطن هي الأهم. ورد الحريري على سؤال للصحافيين حول العلاقة مع بري قائلا: «نحن معه ظالما كان أم مظلوما»٬ وهو جواب كان استخدمه بري قبل تكليف الحريري تشكيل الحكومة.
ولا يزال ما يسمى «حزب الله» متمسكا بحق فرنجية بالحصول على حقيبة وازنة٬ بمسعى منه لإرضائه بعدما دعم عون للرئاسة. وفي هذا الإطار٬ قال النائب عن الحزب٬ علي المقداد٬ في تصريح له٬ إن «الجميع يجب أن يتمثل بحسب حجمه ووزنه السياسي والنيابي في البلد٬ من دون إبعاد أحد». وسأل: «لماذا الاستئثار ولماذا يحق للبعض أخذ حقيبة وازنة والآخر حقيبة غير وازنة؟». أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فاعتبر أن «الرئيس سعد الحريري قدم تنازلات كبيرة من ضمن تسوية شاملة تقضي بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية٬ على أن تكون الحكومة جاهزة بعد أسبوع من الانتخاب»٬ معتبرا أن «ما يجري هو استنزاف للزخم الذي يفترض أن يتحلى به الرئيس عند انتخابه٬ واستنزاف للمبادرة التي قدمها الحريري». ولفت إلى أن الأخير «سيقدم مزيدا من التنازلات لتدوير الزوايا والتسريع في تشكيلة الحكومة».
وبينما عّبر وزير الاتصالات النائب بطرس حرب «عن أسفه من أن يتعثر تشكيل أول حكومة في عهد رئيس الجمهورية٬ وأن تتحول إلى تسابق على الوزارات الدسمة ووزارات الخدمات كأداة فاعلة في الانتخابات النيابية المقبلة». قال: «خوفي أن يؤدي استمرار التجاذب حول الحقائب إلى تحويل لبنان من جمهورية لا رئيس لها وتدير شؤونها حكومة إلى جمهورية لها رئيس ولا حكومة تدير شؤونها».