«حوار الإنقاذ» ينطلق اليوم في بيروت مسكونًا بهواجس فشل الجولات السابقة
الحسيني يعتبره مدخلاً لحكم الميليشيات وإلغاء المؤسسات الدستورية في لبنان
بيروت: يوسف دياب
ينطلق اليوم الأربعاء الحوار الوطني اللبناني بنسخته الثالثة، برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مبنى البرلمان وسط بيروت، وهو مثقل بالبنود الخلافية، بدءًا من بند انتخاب رئيس الجمهورية الذي يشغر منصبه منذ 25 مايو (أيار) 2014، إلى إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، واستعادة الجنسية للمغتربين المتحدرين من أصل لبناني، وصولاً إلى إقرار اللامركزية الإدارية، ودعم الجيش اللبناني في تصديه للتهديدات الأمنية التي يواجهها لبنان.
غير أن الآمال التي علقتها القيادات السياسية على نتائج «حوار الإنقاذ» وفق ما أسماه بري، بدأت تنحسر مع تقلّص فرص نجاحه قبل أن يبدأ، وأولى مؤشرات الانحسار ظهرت في موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي أعلن مقاطعة هذا الحوار «لعدم جدواه، ولأن التجارب لم تكن مشجعة».
ولم ينفذ أي بندٍ من البنود التي اتفق عليها القادة في طاولات الحوار السابقة، لا بل انقلب الجميع عليها وباتت في حكم اللاغية. هذا عدا عن عقم الحوارات الثنائية، كحوار تيار «المستقبل» و«حزب الله» القائم في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة منذ مطلع العام الحالي، وحوار حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، الذي لم يفلح حتى الآن في لجم الحملات الإعلامية المتبادلة بين هذه الأطراف، قبل أن تنتقل إلى ملامسة حلول الأزمات السياسية الآخذة في الاتساع.
وأمام مراجعة المحطات السابقة، لا تبدو الصورة تفاؤلية، فالقيادات الـ15 الذين يتحلقون حول الطاولة المستديرة، هم أنفسهم متوجسون من خلاصة تنبئ بالفشل، كيف لا والجميع يقرّ بأن الاستحقاق الرئاسي بات خارج إرادة اللبنانيين، وأضحى واحدًا من الملفات الإقليمية المعقدّة. عدا تسريبات بدأت تتحدث عن محاولة إغراق طاولة الحوار ببنود ليست من اختصاصها، كأزمة النفايات والكهرباء ومناقشة موضوع آلية عمل مجلس الوزراء وفق ما يرتأي النائب ميشال عون، ما يدخل الحكومة في «غيبوبة» سياسية طويلة.
لكن القضايا المستجدة شيء، والدروس المستخلصة من تجارب الحوارات السابقة شيء آخر، فهذه التجارب غير مشجّعة على الإطلاق، ويكفي استعادة سريعة لنتائج حوار عام 2006 التي أفضت إلى قرارات مهمة جدًا، مثل الاتفاق على: إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة قتلة رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، وترسيم الحدود مع سوريا وسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخل المخيمات. لكن أيًا من هذه القرارات لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ، باستثناء المحكمة الدولية التي أقرها مجلس الأمن تحت الفصل السابع بفعل إقفال مجلس النواب منذ بداية عام 2007 حتى مايو من عام 2008، والإطاحة بكل هذه المقررات.
بعد الانتخابات البرلمانية في عام 2009، احتضن القصر الجمهوري في بعبدا الحوار برعاية رئيس الجمهورية (السابق) ميشال سليمان، على مدى ثلاث سنوات وانتهى إلى ما يسمّى «إعلان بعبدا» الذي وافق عليه جميع الأطراف، وأقرّ 16 بندًا أساسيًا، أبرزها التزام التهدئة الأمنية والسياسية والإعلامية بين القوى السياسية المتخاصمة، ومنع اللجوء إلى السلاح والعنف مهما تكن الهواجس والاحتقانات، والتمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده، وتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، والالتزام بقرارات الشرعيّة الدوليّة بما في ذلك القرار 1701، والتزام الإجماع العربي، وضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السورية وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان، وعدم استعمال لبنان مقرًّا أو ممرًا أو منطلقًا لتهريب السلاح والمسلحين. لكن سرعان ما انقلب «حزب الله» على هذا الإعلان، معتبرًا أنه «لا يساوي الحبر الذي كتب به».
رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، بدا منسجمًا مع موقفه الرافض لطاولة الحوار منذ عام 2006، واصفًا فكرة طاولة الحوار بـ«الخطيرة»، لأنها تلغي المؤسسات الدستورية في لبنان. وأكد الحسيني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحوار الفعلي يكون في المجلس النيابي كمؤسسة دستورية، فإذا لم يكن البرلمان منتدى الحوار، لماذا وجد أصلاً؟».
وقال الحسيني لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يختصر الحوار بأشخاص لا يكون كل أعضاء مجلس النواب موجودين، فهذا يشكل إلغاء للمجلس وللسلطة الإجرائية (الحكومة) وهذا ما يحصل الآن».
وتابع الحسيني: «نحن الآن أمام أزمة نظام وبتنا على مشارف أزمة كيان، فالمعالجة ليست بهذه الطريقة بل بالعودة إلى تطبيق الدستور، علينا أن نعترف أن اتفاق الدوحة علّق الدولة، لأنه ألغى المؤسسات الدستورية فعليًا، ونقلنا إلى نظام المحاصصة الطائفية، ولذلك استقلت من المجلس النيابي في عام 2008، اعتراضًا على اتفاق الدوحة الذي مزّق الدستور، واليوم نرى أن الذين يشاركون في طاولة الحوار هم أنفسهم أعضاء حوار الدوحة».
وذكّر بأنه: «قبل الدوحة كنا في الحلف الرباعي الذي أدى إلى ما أدى إليه، فجاء اتفاق الدوحة ليضم (رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال) عون، لنصبح أمام حلف خماسي، ألغى المؤسسات الدستورية العريقة في لبنان، التي لم تلغ حتى في أحلك أيام الحرب الأهلية». وأضاف: «لبنان دولة دستورية منذ عام 1926 ولم يسبقها إلا تونس ومصر، اليوم وبعد 90 عامًا أسقطوا المؤسسات، وهذا يدل على أننا أمام حكم ميليشيات».
وعن قراءته للأسباب التي دفعت الرئيس بري إلى تسمية دعوته إلى الحوار بـ«نداء استغاثة»، قال الحسيني: «أنا لست في معرض الردّ على الرئيس بري، لكن قناعتي أن هذا الحوار، هو تسهيل لإلغاء الكيان اللبناني». معتبرًا أنه «لا أفق لنجاح هذا الحوار، الذي بدأ في عام 2006 مع الرئيس بري ثم انتقل في عام 2009 إلى الرئيس (الجمهورية السابق ميشال) سليمان، واليوم يعود إلى عهدة الرئيس بري».