هولاند يقلد الحريري وشاحاً رفيعاً ويعد بدعم لبنان
رئيس الوزراء اللبناني: نتحمل أعباء عن المجتمع الدولي للنزوح السوري
في أول زيارة رسمية له لأوروبا منذ عودته إلى السراي الكبير بعد الانتخابات الرئاسية في لبنان التي كان أحد أهم مهندسيها المحليين٬ حط رحال رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري في باريس٬ محطته الأولى في جولة ستقوده لاحقاً إلى برلين وبروكسيل.
وترتدي هذه الجولة أهميتها من كونها تنتهي بحضور الحريري للمؤتمر الدولي الذي ستستضيفه بروكسل حول النازحين السوريين وتوفير الدعم لدول الملجأ وحاجة لبنان الماسة لذلك. وبالنظر للعلاقات الخاصة التي تربط الحريري بفرنسا٬ أسوة بالتي كانت تربط والده الراحل رفيق الحريري بالرئيس شيراك والمسؤولين الفرنسيين الآخرين٬حرص الرئيس فرنسوا هولاند الذي استقبله بعد الظهر في قصر الإليزيه على تقليده وسام جوقة الشرف من رتبة «كوماندور»٬ وهي من بين أعلى الرتب التي تمنح لشخصيات أجنبية وذلك عقب المحادثات التي جرت بين المسؤولين.
حقيقة الأمر أن اختيار باريس وبرلين محطتين قبل مؤتمر بروكسل ليس صدفة٬ ذلك أن لبنان يعول على دعم هاتين العاصمتين ليكون صوته مسموعاً في المؤتمر المذكور بالنظر للعلاقات الخاصة التي تربط لبنان بفرنسا من جهة٬ ولوزن ألمانيا الاقتصادي وتأثيرها على قرارات الاتحاد الأوروبي٬ فضلاً عن أنها استضافت ما لا يقل عن مليون نازح سوري في العامين 2015 و2016 .وكان واضحاً أن الحريري راغب في التركيز على موضوع النزوح بالنسبة للبنان لآثاره السلبية على البنى التحتية والوضع الاجتماعي وحاجة لبنان للمساعدة. ولذا٬ فقد حرص٬ في المحطة الأولى من جولته٬ على قرع ناقوس الخطر و«تحذير» المجتمع الدولي من صعوبة الوضع اللبناني بسبب ضغط النزوح السوري الذي قدره بمليون ونصف مليون نازح. ولم يتردد رئيس الوزراء اللبناني٬ عقب لقاء جمعه ظهراً بنظيره الفرنسي برنار كازنوف في «قصر ماتيونيون» في الحديث عن «خوفه» من أن «المجتمع الدولي لا يعي بالشكل الذي نعيه نحن مدى تأثير (موضوع النازحين السوريين) على لبنان». وألمح الحريري إلى ما يريده لبنان خصوصاً من فرنسا «لأن لها دوراً كبيراً تلعبه» كما حث «كل الدول» على مساعدة لبنان.
ليس موضوع حاجة لبنان للمساعدة جديداً٬ فقد طرح منذ خمسة أعوام على الأقل. لكن الجديد أن لبنان «كما تركيا والأردن»٬ أخذ يعتبر أنه يتحمل وحده أعباء لا وسع له على تحملها «بدلاً عن المجتمع الدولي» وهو يقوم بـ«خدمة عامة». لذا٬ فإن الحريري دعاه إلى «النظر لهذا الموضوع بشكل مختلف» وإلى «تحمل مسؤولياته». وبالنظر لتدهور الوضع الاجتماعي وارتفاع معدلات البطالة٬ خصوصاً بين الشباب «ما بين 20 إلى 30 في المائة و50 في المائة بين النازحين السوريين»٬ فقد نبه الحريري من نزوع هؤلاء إلى التطرف. وبرأيه٬ فإن الاستثمارات التي يطلبها لبنان هي بمعنى ما٬ سلاح ضد التطرف إذ «يتعين علينا أن نحارب الإرهاب بكل الطرق وليس فقط بالقوة».
وحدد رئيس الوزراء اللبناني دوره قائلاً: «أنا بصفتي رئيس وزراء لبنان علي أن أحمي اللبنانيين أولاً٬ وأن أحرص على ألا تتحول مشكلة النازحين السوريين إلى مشكلة أكبر بالنسبة إلينا في لبنان وبالنسبة إلى المجتمع الدولي».
مجمل هذه الأسباب تدفع الحريري إلى مطالبة المجتمع الدولي بتوفير استثمارات قدرها بـ10 إلى 12 مليار دولار سنوياً٬ وذلك من أجل توفير «كل الإمكانيات له حتى يتمكن من استكمال» الخطط التي ينفذها لبنان. وما يزيد من الحاجة إليها٬ أن «ما يحصل في سوريا لم ينت ِه».
كان لافتاً أن الحريري٬ في حديثه إلى الصحافة في باريس٬ ركز على النواحي الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية لملف النازحين وتلافي الحديث عن الجوانب السياسية للحرب في سوريا. لكن الاجتماعين اللذين عقدهما مع هولاند وكازنوف بحضور مستشاريهما٬ وفرت له الفرصة للتداول بالملفات السياسية «الوضع في سوريا٬ الوضع السياسي اللبناني الداخلي»٬ والأمنية والعسكرية٬ والعلاقات الثنائية.
وفي الكلمة التي ألقاها بمناسبة تقليده وشاح جوقة الشرف من رتبة كوماندور٬ أشاد هولاند بالحريري ووصفه بـ«رجل الحوار والسلام»٬ واعتبر أنه أكمل «بجدارة» العمل الذي قام به والده٬ مضيفاً أن هناك «استمرارية» في العلاقات الفرنسية اللبنانية. كذلك نوه بعمل الحريري لصالح استقلال لبنان وسيادته وسلامة أراضيه وبـ«عودة الثقة» إلى اللبنانيين. وأشار هولاند إلى دور الحريري في وضع حد للفراغ الرئاسي في لبنان داعياً اللبنانيين إلى إجراء الانتخابات النيابية٬ معرباً عن استمرار فرنسا في دعم لبنان في مواجهة الإرهاب والوقوف إلى جانبه لتحمل عبء النازحين. ووعد الرئيس الفرنسي الذي يمضي أيامه الأخيرة في قصر الإليزيه بدعوة المستثمرين الفرنسيين للذهاب إلى لبنان وبأن تكون باريس داعمة فيما يسعى إليه.
ورد الحريري بكلمة مقتضبة٬ معتبراً أن ما تقلده شرف له ولعائلته٬ داعياً إلى المحافظة على القيم الإنسانية التي يهددها التعصب. وأشار إلى أنه في هذه اللحظة يفكر بوالده الذي اغتيل في عام 2005 مختتماً بالتأكيد على العلاقات القديمة والقوية التي تربط لبنان وفرنسا.