بيروت: كارولين عاكوم
لا يكاد يمر يوم في لبنان في الفترة الأخيرة من دون تسجيل حوادث أمنية مختلفة لا سيما جرائم القتل، كان آخرها الإعلان أمس عن العثور على فتى يبلغ 15 عاما من العمر مقتولا بطلق ناري في البقاع الغربي وعلى جثة رجل آخر في سيارة في منطقة انطلياس، شمال بيروت. وكان سبقهما يوم أول من أمس الإعلان عن العثور على جثة عنصر في قوى الأمن الداخلي مصابة بطلق ناري داخل غرفة الحرس في وزارة الخارجية في بيروت.
قد لا تشير الأرقام التي توثقها جهات معنية إلى ارتفاع نسبة الجرائم مقارنة مع السنوات الماضية، لكن النظر إلى طبيعة هذه الأفعال يظهر بشاعة الأساليب المعتمدة في تنفيذها خاصة أن عددا منها يسجّل في أوساط العائلة الواحدة والأقرباء، كما تكشف عدم صحة ربط هذه الجرائم باللجوء السوري، التي بات البعض يتمسك بها كحجة للمطالبة بترحيل السوريين، كما حصل أخيرا في بلدة مزيارة الشمالية عند قيام ناطور من الجنسية السورية بقتل فتاة لبنانية، وأدى إلى مطالبة اللاجئين بمغادرة البلدة.
بحسب إحصاءات صادرة من قوى الأمن الداخلي، سجّل في عام 2014 نحو 315 جريمة قتل لتنخفض في عام 2015 إلى 233 حالة وإلى 149 في عام 2016، في حين يقدّر عدد جرائم العام الحالي لغاية اليوم بأكثر من مائة جريمة.
أسباب عدة تقف خلف هذه الظاهرة، بحسب مصادر مطلعة. وأضافت أنها تصب جميعها في خانة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يشكل السلاح المتفلت الوسيلة الأساسية لتفجيرها عبر القتل. وقال الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، والدكتورة في علم النفس الاجتماعي منى فياض التي تربط ارتفاع نسبة العنف بارتفاع الكثافة السكانية وطبيعة الحياة الضاغطة في لبنان في السنوات الأخيرة.
وأشار شمس الدين لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأرقام لا تظهر ارتفاعا في عدد جرائم القتل لكن بشاعة الأساليب المتبعة تعكس مدى التفلت الاجتماعي وانهيار العلاقات العائلية في المجتمع اللبناني، ويربط بين هذه الجرائم والأوضاع المادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون وارتفاع نسبة البطالة في غياب أي أفق للحل. وأضاف: «من حيث العدد تتقارب الجرائم التي سجّلت العام الماضي مع الفترة نفسها في هذا العام، بحيث كانت عام 2016 نحو 90 جريمة بينما اليوم يقدر عددها بمائة جريمة»، مشيرا إلى غياب الإحصاءات الدقيقة حول جنسية الفاعلين، بحيث يتم تصنيفها فقط بين عربي وأجنبي.
مع العلم أنه وفي مؤشر الجريمة العالمي لعام 2016 كان لبنان قد احتل المرتبة 39 عالمياً، والسابعة من أصل 117 بلداً، ما أدى إلى تصنيفها ضمن الدول التي يسجل فيها معدل الجريمة معتدلا.
وفي حين ربطت فياض بين ظروف الحياة التي يعيشها اللبنانيون واللاجئون السوريون على حد سواء، وبين ارتفاع وتيرة العنف ترجّح غياب بعض الدقة في إحصاء الجرائم التي باتت شبه يومية في لبنان، والتي قد لا تتضح أسبابها أو حتى لا يعلن عنها في أحيان كثيرة. وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» توجيه أصابع الاتهام إلى اللاجئين السوريين بشكل أساسي في هذه الجرائم غير منطقي، وذلك انطلاقا من عوامل عدة، أهمّها أن ارتفاع الكثافة السكانية، كما في الضواحي الفقيرة، ينعكس بشكل طبيعي ارتفاعا بمستوى الجريمة، خاصة إذا كان هؤلاء يعيشون في أوضاع إنسانية صعبة، وهو الأمر الذي ينسحب كذلك على اللبنانيين الذين يعانون في بلدهم من انهيار ومشكلات اجتماعية واقتصادية كبيرة وانسداد الأفق مع ارتفاع نسبة البطالة وانتشار الفساد في وقت لا يزال فيه الحد الأدنى للأجور كما هو من سنوات، وبالتالي كل هذه العوامل مجتمعة تزيد حكما من وتيرة العنف على اختلاف أشكاله الذي قد يصل إلى القتل في أوساط اللبنانيين واللاجئين من أي بلد أتوا وإلى أي بلد ذهبوا إذا كانوا يعيشون في هذه الظروف.
ويلعب السلاح المتفلت دورا أساسيا في سهولة ارتكاب هذه الجرائم، بحسب شمس الدين وفياض، خاصة في بلد تتوزع فيه عشرات آلاف رخص حمل السلاح عدا عن أولئك الذي يمتلكونه من دون أي رخصة، وهو الأمر الذي يثبت إمكانية الحصول عليه من دون حسيب أو رقيب، كذلك هناك السلاح الذي يحمله العناصر الأمنية والذي يقدر عدده بـ120 ألفا، وكان له دور أيضا في أحيان كثيرة في ارتكاب الجرائم.