كسر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون سياسة الصمت التي اتبعها منذ اندلاع الأزمة التي أطلق شرارتها وصف صهره وزير الخارجية جبران باسيل لرئيس مجلس النواب نبيه بري بـ«البلطجي»، وما نتج عنها من تداعيات سياسية وأمنية.
وحاول عون احتواء الأزمة بدعوته للتسامح، واصفا ما حصل بـ«الخطأ الذي بني على خطأ». هذا الموقف الذي أتى بعد دعوات لتدخّل عون على خط الأزمة من مختلف الجهات وبطلب مباشر من حليف الطرفين «حزب الله»، رفضت أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري التعليق عليه بعدما كانت مطالبات وزراء ونواب «حركة أمل» تركز على اعتذار باسيل علنا، ووصلت يوم أمس إلى حد مطالبة النائب في كتلة بري أنور الخليل، باسيل، بالاستقالة، في وقت أكّد بري أمس، أنه لن يسمح بأي شيء يهدد الاستقرار ووحدة لبنان واللبنانيين.
وعلى وقع الجهود لاحتواء الأزمة وتكثيف الاتصالات السياسية، وصفت مصادر مواكبة لجهود الحلّ بيان الرئاسة بـ«غير المرضي، لأنه ساوى بين الطرفين وأظهر أن خطأ باسيل أصغر من الخطأ في ردود الأفعال عليه»، مرجّحة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون تعامل «حركة أمل» معه بتحييد الرئيس عون وإبقاء المواجهة مع باسيل كما هي، بانتظار تصحيح الخطأ. في المقابل، لا يبدو أن باسيل ومن خلفه رئيس الجمهورية، بصدد تقديم أكثر ما قدّم في البيان، وهو ما أشارت إليه مصادر مطّلعة على موقف عون، وقالها بشكل صريح النائب إبراهيم كنعان بعد اجتماع «تكتّل التغيير والإصلاح» الذي عقد بحضور باسيل: «الكرامات متساوية ونتجاوب مع مطلب الرئيس عون بالتسامح مع الاعتداء على مركز التيار وموقفه يعني أن الملف انتهى».
وفي بيانه، اعتبر الرئيس عون أن «ما حدث على الصعيدين السياسي والأمني أساء إلى الجميع وأدى إلى تدني الخطاب السياسي إلى ما لا يليق باللبنانيين». معلنا من موقعه الدستوري والأبوي مسامحة جميع الذين تعرضوا إليه وإلى عائلته. وأضاف: «أتطلع إلى أن يتسامح أيضا الذين أساءوا إلى بعضهم البعض، لأن الوطن أكبر من الجميع، وهو أكبر خصوصاً من الخلافات السياسية التي لا يجوز أن تجنح إلى الاعتبارات الشخصية لا سيما أن التسامح يكون دائماً بعد إساءة». ولفت إلى أن القيادات السياسية مطالبة اليوم بالارتقاء إلى مستوى المسؤولية لمواجهة التحديات الكثيرة التي تحيط بنا، وأهمها المحافظة على الاستقرار والأمن والوحدة الوطنية وعدم التفريط بما تحقق من إنجازات على مستوى الوطن خلال السنة الماضية.
ومع استمرار الحراك السياسي الهادف إلى تهدئة الأجواء بين الطرفين بعدما انعكست تداعياتها على الوضع اللبناني بشكل عام، وتحذير البعض من تفاقم الأمور أمنيا وسياسيا ما قد يؤدي إلى تأجيل الانتخابات، تبدي مختلف الأطراف تمسكّها بهذا الاستحقاق من دون أن تنفي أن الاتفاق السياسي الذي نتجت عنه التسوية الرئاسية ومن ثم تشكيل الحكومة، بات مهددا إن لم يكن قد سقط. وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر مطّلعة على موقف «حزب الله»، على ثلاثة أمور، هي أنه لا تأجيل للانتخابات وستجرى في موعدها، والحكومة باقية ولن تسقط، كما الوضع الأمني الذي سيبقى مستقرا بينما لن يتجاوز الخطاب السياسي حدود السقف الذي وصل إليه. وتضيف المصادر: «التسوية لم تسقط رغم أن الأمور صعبة ولبنان يعيش دائما على التسويات التي تأتي دائما بعد خلاف معيّن، من دون أن ننفي أن الفرز السياسي سيتغيّر وملامحه واضحة منذ الآن».
من جهتها، ترى مصادر في «التيار الوطني الحر»، أن التسوية لا تزال مستمرة بدليل حرص الجميع على بقاء الحكومة وإجراء الانتخابات، داعية إلى انتظار نتائجها خاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة. وكان بري قد أكد للرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير الذي التقاه أمس، على أهمية الانتخابات المقبلة وأنه ليس خائفا على الاستحقاق.
وبانتظار موقف «حركة أمل» الرسمي من بيان الرئاسة وموقف «تكتل التغيير والإصلاح»، أثنت كتلة المستقبل التي عقدت أمس برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، على موقف عون «ولغة التسامح التي عبر عنها، ودعوته الجميع إلى الارتقاء لمستوى المسؤولية في مواجهة التحديات».
وأكدت الكتلة على «مسؤولية الجهات المعنية كافة في ضبط هذا الفلتان الأخلاقي الذي يسيء لصورة لبنان وتاريخه الديمقراطي ويؤجج الخلافات، وما تستجلبه من أضرار على السلم الأهلي في البلاد واستقرارها»، رأت في «العودة إلى استخدام الشارع، وسيلة للاعتراض على المواقف أو لبت الخلافات السياسية، أسلوبا غير مقبول من شأنه أن يفسح المجال للمصطادين في المياه العكرة، ويعرض سلامة المواطنين لأخطار يجب تجنبها».
من جهته، اعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن الحزب لا يستطيع أبدا التغاضي أو السكوت عما جرى يوم أول من أمس في شوارع بيروت والمتن. واعتبر جعجع أنه بغض النظر عن رأي «القوات اللبنانية» أو تقييمها لما قاله وزير الخارجية جبران باسيل، وبغض النظر عن علاقتها وتقديرها للرئيس نبيه بري، لا يستطيع أن يقبل ما حصل البارحة، لأنه انتهاك صريح لمنطق الدولة ووجودها.
وطالب جعجع الأجهزة القضائية والأمنية بوضع يدها بمنطق عادل وسليم، منطق دولة فعلي على الحوادث، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لكي لا يتكرر انتهاك الأمن والاستقرار ووجود الدولة في لبنان عند كل حدث أو أزمة سياسية، مشددا على أن المطلوب وبإلحاح أن تبقى الصراعات السياسية بعيداً عن لغة الشارع وعن تهديد الاستقرار السياسي والانتظام العام في البلاد.