صراع سياسي أمني قضائي يتقاذف المسؤولية عن ملف عيتاني
أبو غيدا لـ {الشرق الأوسط}: لم يعترف أمامي بأيٍّ من التهم المنسوبة إليه
دخلت قضية الممثل والمخرج المسرحي زياد عيتاني دوامة التعقيد، بعدما تحوّل ملفه القضائي إلى صراعٍ سياسي وأمني وحتى قضائي، نتيجة الخلل الذي اعترى التحقيقات الأولية التي أُجريت معه وأُحيل بموجبها إلى القضاء العسكري بتهمة التعامل مع إسرائيل، وقبل التوصّل إلى عناصر جديدة كشفت تعرّض اتصالاته الهاتفية وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي لقرصنة أوصلته إلى الاعتقال والسجن.
ورغم مرور 5 أيام على هذه المعطيات الجديدة، لا تزال القوى السياسية ومعها الأجهزة الأمنية والقضائية، تتقاذف كرة المسؤولية عن الظلم الذي لحق بهذا الممثل، لا بل إن البعض لا يزال يرفض التشكيك بتهمة عمالته لإسرائيل رغم المستجدات التي طرأت على القضية، وفي هذا الإطار أكد قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا الذي يضع يده على الملف منذ 3 أشهر، أن «الاستنابة القضائية التي وجهها إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، لم يقصد منها التشكيك بما فعله جهاز أمن الدولة، بل لتوضيح بعض الأمور التقنية».
وقال أبو غيدا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الملف تضمّن جوانب تقنية وفنيّة بدت معقّدة وتحتاج إلى تفسير، فقررت توجيه الاستنابة إلى جهاز صاحب خبرة في هذا المضمار، ومعلوم أن شعبة المعلومات لديها حرفية عالية بذلك»، رافضاً التشكيك بدور جهاز أمن الدولة، معتبراً أن هذا الجهاز «قام بواجبه على أكمل وجه، لكن المعطيات الجديدة ودقة الأمور الفنية استدعت تسطير الاستنابة ليُبنى على نتيجة التحاليل والنتائج المنتظرة المقتضى القانوني اللازم»، لكن لفت إلى أن عيتاني «لم يعترف أمامه بأيٍّ من التهم المنسوبة إليه».
وكانت التحقيقات التي أجرتها شعبة المعلومات، قد توصلت إلى كشف هوية شخص يُدعى إيلي غبش، تمّ توقيفه يوم الخميس الماضي، واعترف -حسب مصادر مواكبة للتحقيق- بأن المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، هي من طلبت منه قرصنة صفحات الممثل عيتاني والإيقاع به، انتقاماً منه على خلفية نسخه إشارة إعجاب (لايك)، وضعتها الحاج لتغريدة المخرج اللبناني شربل خليل وصف فيها النساء السعوديات بالـ«إرهابيات»، ما استدعى نقلها تأديبياً من مركزها كرئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.
ولا يزال فرع التحقيق في شعبة المعلومات يستمع إلى الحاج وغبش بإشراف النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، ورغم المعطيات الجديدة، فإن ذلك لا يعني أن القضاء سلّم ببراءة عيتاني قبل استكمال كل عناصر التحقيق، وثبوت تعرضه للقرصنة. وأعلن القاضي أبو غيدا أنه «سيستجوب الممثل زياد عيتاني مجدداً، ويستمع إلى المقدم سوزان الحاج وكل من يرد اسمه»، مؤكداً أن «هذا الملف من أكثر الملفات تعقيداً، والموضوع حساس للغاية ولا يحتمل التكهنات، وبالتالي لا يمكن الجزم ببراءة أيٍّ مَن كان قبل الانتهاء من التحقيق»، في وقت أعلن المحامي رامي عيتاني، وكيل زياد عيتاني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «فريق الدفاع ينتظر البتّ بطلب إخلاء سبيل زياد في ضوء المستجدات التي طرأت على القضية». وقال: «نحن نعتبر أن زياد عيتاني فاقد الحرية إنسانياً ومعنوياً، لكن على الصعيد القانوني، لدينا كامل الثقة بالقاضي أبو غيدا وبعدالته، ولا نشكك بأي إجراء يتخذه».
ولم يقف التجاذب عند الوزراء والأجهزة الأمنية فحسب، بل وصل إلى القضاء بعد توزيع معلومات على شكل أخبار عاجلة، تتحدث عن توجه لدى وزير العدل سليم جريصاتي، لإحالة النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، ومفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار، إلى هيئة التفتيش القضائي، لأن الأخير هو من أشرف على التحقيقات التي أفضت إلى توقيف المقرصن غبش والمقدم الحاج، قبل أن يقرر القاضي حمود احتجازهما على ذمة التحقيق، بالإضافة إلى مطالبة البعض بكفّ يد القاضي رياض أبو غيدا عن الملف وإحالته إلى التفتيش القضائي، بسبب إرساله الاستنابة القضائية إلى شعبة المعلومات، بدلاً من جهاز أمن الدولة.
لكن مصادر متابعة لمجريات التحقيق في ملف المقدم سوزان الحاج والموقوف إيلي غبش، رأت أن «التسريب غير بريء». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «عدا عن أن المعلومات غير صحيحة، يبدو أن ثمة رسالة من ورائها، غايتها تخويف القضاة من القيام بعملهم في الملفات الحساسة»، مؤكدة أن «هذه المحاولات ستُمنى بالفشل، والتحقيقات ما زالت مستمرة ولن تتوقّف حتى تبيان كل الحقائق، والوصول إلى المحاسبة الواجبة في هذا الملف»، لافتة إلى أن «الأيام الماضية كشفت أن الحقيقة تكمن في الاتجاهات المعاكسة تماماً لما أثير في هذه التسريبات».
مصادر أمنية دعت إلى انتظار نتائج تحقيقات شعبة المعلومات، قبل إطلاق الأحكام المسبقة، وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «جهاز أمن الدولة غير مستهدف، لكنه لا يملك الإمكانات التقنية المتوفرة لدى شعبة المعلومات، وربما وقع هو نفسه ضحية القرصنة إذا ثبتت». ورأت أنه «كان يفترض من اليوم الأول لتوقيف عيتاني أن يحال إلى المعلومات أو مخابرات الجيش لجلاء الحقائق، لأن إمكانات هذين الجهازين تم اختبارها في ملفات كثيرة وأثبتت فاعليتها»، مذكّراً بـ«حرفية شعبة المعلومات في تفكيك عشرات شبكات التجسس لحساب إسرائيل، وكشف شبكات الخطف وتحرير الرهائن وتوقيف العصابات التي تسطو على المصارف والشركات في غضون ساعات قليلة».
من جهته، أعلن نقيب المحامين السابق والوزير السابق رشيد درباس، أنه سيتولى الدفاع عن المقدم سوزان الحاج في هذه القضية، وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «مستعدّ لهذه المهمة إذا جرى الادعاء عليها، وإذا طلبت عائلتها منه ذلك». وأشار إلى أن «كلّ مدعَى عليه يحق له أن يختار المحامي الذي يناسبه». وقال: «انطلاقاً من العلاقة الخاصة التي تربطني بالمقدم الحاج، سأدافع عنها من خارج التجاذب السياسي والطائفي الحقير»، مذكّراً بأن الحاج «لا تزال قيد التحقيق وقبل أن يسند إليها جرم معيّن، ليست بحاجة إلى محامٍ».