Site icon IMLebanon

محاكم لبنان تغرق في الظلام والمحامون يلجأون إلى مصابيح الهواتف

محاكم لبنان تغرق في الظلام والمحامون يلجأون إلى مصابيح الهواتف

انقطاع المياه وأعطال كبيرة في شبكة الكهرباء والدولة عاجزة عن وضع حد للمعاناة

تغرق قصور العدل في لبنان في الظلام منذ أسابيع عدّة، ما يضاف إلى أزمة انقطاع المياه عنها، وهو ما يعمّق معاناة القضاة والموظفين والمحامين والمتقاضين، وسط عجزٍ تام من الدولة، وتحديدا وزارة العدل، عن وضع حدّ لهذه المعاناة، التي اضطرت عددا من المحاكم إلى تعليق جلساتها مرّات عدّة، بفعل انعدام التكييف ووسائل التهوية، حتى المراوح بالحدّ الأدنى، مقابل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، وصعوبة قراءة الملفات وإجراء الاستجوابات.

 

«العدالة التي باتت تتوق إلى عدالة لإنصافها وإنقاذها»، على حدّ تعبير مصدر قضائي، باتت تهدد حياة الناس في قصور العدل، خصوصا عشرات الموقوفين الذين يقبعون في زنازين قصور العدل الواقعة تحت الأرض، وإصابة بعضهم بحالات اختناق، لانعدام التهوية وانقطاع الماء عن المغاسل ودورات المياه، وانبعاث الروائح الكريهة من أقبيتها، وهذه الحالة كانت ظاهرة جدا في قصر عدل بعبدا (جبل لبنان)، الذي يفتقر أصلا لأدنى مقومات قصور العدل، ما اضطر عناصر الأمن الموكلين بحمايتهم، إلى إسعافهم بالوسائل البدائية.

 

وتتعالى الصرخات يوميا في أروقة المحاكم، بدءا بالقضاة الذين يطلق عليهم تسمية «حرّاس العدالة»، والذين ضاقوا ذرعا باستمرار هذه الأزمة، وهو ما عبّر عنه بمرارة مصدر قضائي، حيث سأل: «إذا كانت العدالة عاجزة عن إنصاف نفسها، كيف لها أن تنصف الناس؟».

 

وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الواقع القائم يقول إن العدالة في لبنان باتت تتوق إلى عدالة تنصفها وتمنحها حقها»، لافتا إلى أن «القاضي الذي يعاني الأمرّين في مكتبه وعلى قوس المحكمة وفي مرآب السيارات، كيف له أن يستجوب ويحاكم ويصدر أحكامه؟!». ولفت إلى أن «المراحيض والمغاسل تعاني انقطاعا دائما للمياه، وانعداما للنظافة وخطر انتشار الأمراض».

 

وتكاد صرخة المحامين تكون أعلى، بحكم تحررهم من عبء الوظيفة التي تحكم على القاضي بالتزام الصمت، ولا سيما أن المحامين يشكون من تأخر محاكمات موكليهم، وباتوا يعتمدون على مصابيح هواتفهم الجوالة لتعقب الملفات ومراجعتها في أقلام المحاكم ودوائر التحقيق.

 

وتعتبر وزارة العدل المسؤولة إداريا وماليا ولوجستيا وتنظيميا عن قصور العدل، لكنّ مصدرا في الوزارة برّر لـ«الشرق الأوسط»، أسباب الأزمة بـ«إصابة شبكات الكهرباء الداخلية في قصري العدل في بيروت وبعبدا (جبل لبنان) بأعطال كبيرة وحالة اهتراء، لأنها قديمة جداً، ولم تعد قادرة على تحمّل الضغط الهائل على التيّار الكهربائي، بسبب زيادة عدد مكاتب القضاة والأقلام»، مشيرا إلى أن «فرق الصيانة التابعة لشركة كهرباء لبنان لم تفلح في إصلاح الأعطال، لأن الشبكة الداخلية تحتاج إلى تغيير كلّي، وهذا يتطلب وقتا طويلا وتكاليف مالية مرتفعة جداً»، وأوضحت المصادر أن الوزارة «فتحت الباب أمام مناقصات مع شركات متخصصة لتمديد شبكات جديدة وحلّ هذه المعضلة».

 

ويبدو أن هذا الحلّ لم يقنع القضاة، إذ حمّل المصدر القضائي الدولة، سواء وزارة العدل أو غيرها، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. وشدد على أن «الإدارة المسؤولة يفترض بها تدارك الخطر قبل وقوعه». وسأل: «هل ننتظر أشهرا طويلة لاختيار متعهد جديد، ثم انتظار أشهر إضافية لتمديد الشبكة، وتبقى المعاناة قائمة؟». لكن هذه المعضلة ترتّب على الدولة، وخصوصا وزارة العدل، مسؤولية قانونية، بسبب تعريض حياة مواطنين للخطر، حيث أدى انقطاع الكهرباء عن قصر العدل في بيروت قبل يومين، لاحتجاز أحد المحامين داخل المصعد وقتا طويلا، وكاد يصاب بالاختناق لولا الجهد الشخصي الذي بذلته عناصر قوى الأمن من مرافقي القضاة، وتمكنوا من إنقاذه. وإذا كان ترهّل قصري العدل في بيروت وبعبدا، سبباً لتبرير المشكلة، فلا مبرر لدى الوزارة لانقطاع الكهرباء في قصر العدل في طرابلس، وهو مبنى حديث أنشئ وفق مواصفات عالية.

 

والمفارقة أن قصر العدل في بيروت أُخضع على مدى السنوات الخمس الأخيرة، لعملية تدعيم وترميم، بسبب التصدعات التي أصابته، وخطر انهياره في حال وقوع هزّة أرضية كبيرة، لكنّ كلفة التدعيم التي بلغت 37 مليون دولار دُفعت من موازنة وزارة العدل، واقتصرت على تحصين المبنى بأعمدة إضافية، من دون إدخال تحسينات على هيكل المبنى، لا من الداخل ولا من الخارج، ولم يشمل الترميم شبكة الكهرباء والصرف الصحي والطلاء والبلاط والإنارة والمصاعد وفرش المكاتب وغيرها.

 

والمفارقة الأكثر غرابة أن خيار الترميم حلّ بسحر ساحر، ونسف قرار مجلس الوزراء، الذي تمكّن وزير العدل الأسبق إبراهيم نجّار من انتزاعه، في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2010، والقاضي بإنشاء «المدينة القضائية» في بيروت، بكلفة 55 مليون دولار.

 

وتشمل «المدينة القضائية» مبنى جديدا لوزارة العدل، وقصر عدل جديدا، ومعهد الدروس القضائية، ومجلس شورى الدولة، والمركز العربي للبحوث القانونية، ونادي القضاة، ما يوفّر على الدولة مبالغ طائلة، بدل الإيجارات التي تدفعها سنويا لمبانٍ خاصة مستأجرة للمعهد القضائي ومجلس الشورى ومركز البحوث القانونية، وهو ما أثار شكوكا عمّا إذا كانت عقلية الصفقة تغلّبت على قرار الحكومة والمؤسسات.

 

وعزا مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، سقوط مشروع المدينة القضائية إلى «الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري في نهاية عام 2010، وتأليف حكومة جديدة ألغت مشروع المبنى الحديث، واستبدلته بمشروع الترميم».

 

مسار الحكومة يراوح مكانه… وبري يدقّ ناقوس خطر التأخير

رئيس مجلس النواب يمهل المعنيين أسبوعين قبل الدعوة لجلسة مناقشة موانع التأليف

يراوح تأليف الحكومة مكانه رغم الحراك الذي يسجّل على خط المشاورات منذ بداية الأسبوع. فالعقد لا تزال على حالها في ظل تمسّك كل طرف بمطالبه فيما لوحظ تراجع في حدّة المواجهة المسيحية بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» بعد إعلانهما عن التهدئة أول من أمس. وبانتظار ما سينتج عن اللقاء المتوقع اليوم بين وزير الإعلام ملحم رياشي، ممثل «القوات»، والنائب في «التيار» إبراهيم كنعان، يواصل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اتصالاته في وقت جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري تلويحه بالدعوة إلى جلسة عامة بعد أسبوعين لمناقشة الوضع القائم في حال استمرّ تعثّر التأليف، فيما دعا إلى جلسة في 17 الشهر الحالي لانتخاب رؤساء وأعضاء اللجان النيابية.

وفيما لفتت مصادر الحريري إلى لقاءات عدّة سيعقدها الرئيس المكلف خلال الساعات المقبلة نقل النواب عن رئيس المجلس نبيه بري، تأكيده مرة أخرى «وجوب الإسراع بتشكيل الحكومة وعدم الاستمرار بالمراوحة والجمود في ظل هذه الأوضاع الدقيقة التي تمر بها البلاد». ولفتوا إلى «أنه بعد مرور كل هذا الوقت لتأليف الحكومة وإعطاء كل هذه الفرصة فقد دعا بري إلى عقد جلسة للمجلس يوم الثلاثاء المقبل لانتخاب أعضاء اللجان النيابية. وإذا لم يحصل تطور إيجابي في شأن تشكيل الحكومة فإنه سيدعو أيضا المجلس إلى جلسة عامة للتشاور في الوضع العام في البلاد»، مشددا مرة أخرى على «ضرورة التصدي للأوضاع الاقتصادية والمعيشية».

وفي هذا الإطار، أشار النائب في كتلة التنمية والتحرير علي خريس إلى أن بري أعطى مهلة أسبوع بعد موعد جلسة انتخاب اللجان، أي أسبوعين من الآن، للدعوة إلى جلسة لمناقشة تأليف الحكومة، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «خطوة بري التي دق خلالها ناقوس الخطر هي لمناقشة موانع التشكيل ولتحفيز رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ودعوة كل الأطراف للتفكير بالمصالح العامة وليس الخاصة علّهم يستعجلون التأليف». ودعا خريس إلى انتظار الأيام القليلة المقبلة وما سينتج عن الحراك الحاصل «على أمل أن يعودوا إلى ضمائرهم ووطنيتهم». واعتبر خريس أن العقدة الأهم أمام التشكيل هي العقدة المسيحية في ظل الخلاف حول الحصص بين «التيار» و«القوات» بينما تعتبر العقد الأخرى أقلّ وطأة، آملا أن يحقّق المعنيون في اجتماع بكركي اليوم اختراقا ما وألا يكون الهدف منه فقط تخفيف الاحتقان.

ورأى وزير العدل السابق إبراهيم نجار في دعوة بري للجلسة، إذا أقدم عليها، بأنه يدق ناقوس الخطر، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قيمة هذه الجلسة الجائزة قانونيا هي اعتبارية، سياسية أخلاقية وتعني أن البرلمان لا يراقب فقط الحكومة وهي تعمل بل أيضا خلال التأليف ويحث المسؤولين على الإسراع بمهمتهم»، مضيفا: «بالتالي هي تمثل ضغطا معنويا وسياسيا من دون أن يكون لها صفة الإلزام».

واستمرت أمس المواقف المحذرة من تأخر التأليف، فيما لوحظ شبه غياب لمواقف مسؤولي «التيار» و«القوات» الذي دعا رئيسه سمير جعجع الأطراف إلى ملاقاة الرئيس المكلف.

وأكد جعجع خلال حفل تخريج الدفعة الأولى من كوادر جهاز تفعيل دور المرأة ومصلحة النقابات أن «الوضع العام في البلاد لا يتحمل أي تأخير في تشكيل الحكومة»، لافتاً إلى أن «الرئيس المكلف سعد الحريري يقوم بجهد كبير على هذا الصعيد ولكن يبقى أن تلاقيه كل القوى السياسية في مسعاه هذا لكي تولد الحكومة الجديدة».

وكانت الحكومة موضع بحث بين مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان والوزير السابق غازي العريضي الذي كرّر رفضه توصيف «العقدة الدرزية». ومع تأكيده على مطلب الحزب «التقدمي الاشتراكي» بحصر التمثيل الوزاري الدرزي به، قال العريضي بعد اللقاء: «ليس ثمة عقدة درزية، ثمة عقدة من وليد جنبلاط، هذه مسألة لا تحل إذا استمر التعاطي مع الأمور على ما هو عليه»، مضيفا: «ثمة حق مكتسب مكرس بالانتخابات بمنطق الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب صلاحية في تشكيل الحكومة، والصلاحية في يد رئيس الحكومة فقط، هكذا يقول الدستور، من حق فخامة الرئيس المحترم بموقعه ومقامه أن يرفض أي تشكيلة حكومية. هذا حق مكرس في الدستور، لكن من يبادر ويقترح ويقدم التشكيلة الحكومية بشكل أساس هو رئيس الحكومة المكلف». ودعا إلى احترام الدستور من دون استقواء بالسلطة… والاستقواء لا يمكن أن يؤدي إلا إلى المشكلات في البلد».

كذلك، اعتبر النائب في «الاشتراكي» هادي أبو الحسن في حديث إذاعي أن «حزبه لا يملك شيئا ليتنازل عنه تسهيلا لتأليف الحكومة»، وقال: «لا يجوز أن يتم حسم الأمور من أجل تأليف الحكومة لمصلحة طرف على حساب الحق التمثيلي لطرف آخر»، داعيا جميع الكتل إلى العودة إلى أحجامها الحقيقية.

وأكد أن «الاشتراكي» يشدّ على يد الرئيس المكلف في مسعاه للتأليف، وعلى جميع القوى السياسية المساهمة في تسهيل تشكيل الحكومة بأسرع وقت، وسأل: «هل يجوز أن تحصل كتلة من 7 نواب على وزيرين وطرف ممثل بنائب واحد على وزير؟»، في إشارة إلى سعي «التيار الوطني الحر» لتوزير رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان وهو ما يرفضه النائب السابق وليد جنبلاط.