طرابلس تغيب عن القمة الاقتصادية وتنتقد تصرف بيروت
رفض لبناني رسمي و«انزعاج» عربي من إهانة العلم الليبي
القاهرة: خالد محمود بيروت: كارولين عاكوم
أعلنت ليبيا، أمس، أنها ستقاطع رسمياً القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية المقررة في بيروت السبت المقبل، على خلفية تمزيق محسوبين على حركة «أمل» الشيعية اللبنانية علم الاستقلال الليبي. وأعربت اللجنة العليا للقمة عن أسفها لإحراق العلم، فيما شدد الرئيس اللبناني ميشال عون ووزير خارجيته جبران باسيل على أن ما جرى لا يعبر عن موقف بلدهما.
وأظهرت مقاطع مصوّرة متداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إنزال محتجين علم ليبيا من أعلى سارية في بيروت وإهانته بالتزامن مع مطالبة قياديين في حركة «أمل» بمنع ليبيا من المشاركة في القمة: «حتى تكشف مصير الإمام موسى الصدر» الذي اختفى بعد زيارة لليبيا بدعوة من الراحل معمر القذافي عام 1978.
وأعلن رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج، أمس، أن بلاده قررت «مقاطعة» القمة الاقتصادية العربية، مبدياً أسفه لـ«أفعال سلبية» في الدولة المضيفة. وأكد السراج في بيان «مقاطعة هذا المؤتمر والامتناع عن المشاركة في أعماله بعدما تبين أن الدولة المضيفة لم توفر المناخ المناسب وفق التزاماتها والأعراف والتقاليد المتبعة لعقد مثل هذه القمم».
وكانت وزارة الخارجية الليبية قالت في بيان مقتضب، مساء أول من أمس، إنه تقرر رسمياً عدم المشاركة على أي مستوى في هذه القمة، لافتة إلى أن مقعد دولة ليبيا خلالها سيكون شاغرا. وأعربت الوزارة في بيان، أمس، عن «خيبة الأمل في تعاطي الدولة المضيفة مع رغبة ليبيا في فعاليات هذا اللقاء، وهو الأمر المخالف لأبسط الأعراف الدبلوماسية فضلاً عن مجافاته لأواصر الأخوة ومدى سلبية ما يترتب عن مثل هذه المواقف من نتائج».
وانتقدت «المساس بالعلم الليبي وإنزاله وتمزيقه تحت أنظار الجميع، ما يعد مساساً برمز مقدس لدولة ذات سيادة، إضافة إلى منع وفد رجال الأعمال الليبي من دخول الأراضي اللبنانية ورفض قبول مشاركته في اجتماع منتدى القطاع الخاص لاتحاد الغرف العربية» المنعقد على هامش القمة.
ونددت الوزارة بـ«الهجمة غير المبررة من أطراف لبنانية مسؤولة على مشاركة الدولة الليبية في أعمال القمة بحجج ومبررات تجافي المنطق، والتصريحات المتضاربة للمسؤولين اللبنانيين بشأن مشاركة الوفد الليبي». واستنكرت «غياب الجدية في وضع الترتيبات الأمنية اللازمة لضمان سلامة الوفد، فضلاً عن الغياب الكامل للترتيبات المراسمية المعتادة لاستقبال الوفد كإصدار التأشيرات وخلافه».
وطبقاً للبيان، طلبت حكومة السراج من لبنان توضيحا عاجلا لموقفه في هذا الشأن، ودعت الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط إلى توضيح موقف الجامعة.
وأعرب أبو الغيط عن «انزعاجه الشديد» إزاء واقعة حرق علم ليبيا في بيروت، مؤكداً أنه «من غير المقبول في أي حال من الأحوال أو تأسيساً على أي حجة أن يتم حرق علم أي دولة عربية، خصوصاً إذا ما حدث هذا الأمر على أرض عربية، وأخذاً في الاعتبار أن وجود اختلافات في الرؤى أو بواعث سياسية تاريخية معينة لا يبرر حرق علم عربي يمثل في حقيقة الأمر رمز الدولة وواجهتها والمعبر عن إرادة ووحدة شعبها». ودعا الأمين العام سلطات الدولة اللبنانية في تصريحات، أمس، إلى العمل على ضمان توافر الاحترام الكامل لوفود الدول الأعضاء في الجامعة التي ستشارك في اجتماعات القمة.
وعبّرت الرئاسة اللبنانية عن امتعاضها مما حصل في بيروت من حرق للأعلام الليبية، وفق ما قالت مصادرها لـ«الشرق الأوسط»، فيما أسف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل لعدم مشاركة ليبيا في القمة.
وقالت مصادر منظّمي القمة في بيروت لـ«الشرق الأوسط» إن «خيار مشاركة أي دولة هو قرار سيادي مع تأكيدنا على اتخاذ كامل الإجراءات الأمنية اللازمة لتأمين سلامة الوفود المشاركة».
وأتى الموقف الليبي بعد تصعيد «حركة أمل» ومناصريها رفضاً لدعوة طرابلس إلى القمة عبر نزع أعلامها المرفوعة إلى جانب أعلام الدول العربية المشاركة في القمة واستبدالها من خلال أعلام الحركة، ما استدعى ردة فعل في ليبيا عبر قيام شبان بإزالة اللوحة الخاصة بالسفارة اللبنانية في العاصمة ووضع علم بلادهم مكانها.
وفي رسالة إلى نظيره الليبي، عبّر باسيل عن «الرفض المطلق للأمور والأعمال التي طالت دولة ليبيا ومشاركتها والتي لا تعبر عن موقفي وموقف لبنان». كما أكد حرصه على العلاقات بين البلدين «وضرورة وضعها على السكة الصحيحة من دون أن يتخلى لبنان إطلاقاً عن واجبه الوطني بمعرفة مصير الإمام المغيب موسى الصدر ورفيقيه وحل هذه المسألة التي عكرت العلاقات بين البلدين لأكثر من أربعة عقود».
وفي حين استمر «حزب الله» في اتباع سياسة الصمت حيال الخلاف بين حليفيه «التيار الوطني الحر» بزعامة الرئيس عون و«حركة أمل» برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري فيما يتعلّق بدعوة ليبيا إلى القمة، جدّد النائب هاني قبيسي عن كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها بري، موقف «حركة أمل»، قائلاً إن «موقفنا من دعوة ليبيا إلى المؤتمر الاقتصادي العربي ليس عبثاً، فالحكومة الليبية الحالية تعاملت مع الوفد الرسمي الذي كلف بمتابعة ملف التحقيق بقضية الإمام السيد الصدر في ليبيا كمعاملة العبيد… اعترضنا على حضور هذا الوفد لأن حكومته لم تحترم القضية التي نحمل ولم تساعد الوفد اللبناني في التحقيق لجلاء قضية الإمام الصدر، بل كانوا أكثر سلبية من نظام القذافي… لن نرضى ولن نقبل أن تطأ أقدامهم أرضنا مهما حصل».
وعلى وقع اشتداد الخلاف على أكثر من صعيد في لبنان، دعا وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال النائب بيار بوعاصي، إلى «الفصل بين القمة الاقتصادية العربية وقضية الإمام موسى الصدر والتوتر على خلفية تشكيل الحكومة». وشدد في حديث إذاعي على أن «الانعكاسات السلبية للتشكيل غير مرتبطة بالقمة، ومن السيئ الانعزال عن الدول العربية»، معتبراً أن «لبنان من حيث تكوينه هو جسر عبور نحو الآخرين، وحزب القوات اللبنانية مع انعقاد القمة في لبنان والتي تعود مهمة الدعوة إليها إلى الجامعة العربية».
وأكدت مصادر لبنانية رسمية على صلة باللجنة التنظيمية لاستضافة القمة الاقتصادية العربية أن مسؤولي دائرة الأمن العام اللبناني في مطار رفيق الحريري الدولي امتنعوا عن السماح لخمسة من رجال الأعمال الليبيين بالدخول إلى بيروت للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العربي لرجال الأعمال الذي يُعقد على هامش القمة.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن المسؤولين في هذه الدائرة رفضوا منحهم سمة الدخول التي تجيز لهم مغادرة المطار إلى مقر إقامتهم في أحد فنادق بيروت مع أن الترتيبات المتخذة تسمح لهم بالحصول على سمات الدخول فور وصولهم إلى المطار من دون أن يستحصلوا عليها من إحدى السفارات اللبنانية. ولم تعطِ سلطات المطار، بحسب المصادر، أي تفسيرات لرجال الأعمال الليبيين الخمسة ما اضطرهم إلى المغادرة. وفي هذا السياق، تخوّفت مصادر لبنانية أخرى من أن يكون التحرك لمنع الوفد الليبي من الاشتراك في القمة الاقتصادية العربية مقدمة لقطع الطريق على تلبية لبنان الدعوة الأميركية لحضور المؤتمر الدولي – العربي الذي يُعقد في النصف الأول من الشهر المقبل في بولندا، تحت عنوان إقامة أكبر حشد دولي وإقليمي لمواجهة المشروع الإيراني الهادف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
ولفتت هذه المصادر إلى أن الاعتراض على حضور ليبيا القمة الاقتصادية «قد يكون عيّنة على طريق التحضير لتحرّك أوسع لا يقتصر كما هو حاصل اليوم على حركة أمل… وإنما قد تنضم إليه قوى أخرى تنتمي إلى محور الممانعة، مع أن لبنان قد لا يشارك في مؤتمر بولندا لينأى بنفسه عن الارتدادات السلبية المترتبة على مشاركته التي من شأنها أن تؤدي إلى اهتزاز الاستقرار فيه».