Site icon IMLebanon

العبادي وتقسيم العراق

ربما كان الجنرال راي أوديرنو من أكثر القادة العسكريين الأميركيين معرفة بأوضاع العراق منذ التحضيرات للغزو الأميركي حتى اليوم، لا ينافسه في هذه المعرفة بحكم الخبرة والاطلاع على الأرض، سوى الجنرال ديفيد بترايوس. ولهذا، فعندما يتوقع أوديرنو أن التقسيم قد يكون الحل الوحيد لتسوية الأزمة الطائفية في العراق، فهو لا يتحدث من موقع الجهل أو الأماني، بل نتيجة إدراكه الهوة العميقة التي باتت تفصل بين الطوائف العراقية، والتي يعود جزء من المسؤولية عنها إلى ما خلّفه الغزو الأميركي، وإلى تمكين فريق طائفي، هو الفريق الشيعي بدعم من إيران، من التحكم بالدولة على حساب الآخرين، لكن المسؤولية الأكبر تقع على العراقيين أنفسهم الذين عجزوا عن العثور على صيغة مشتركة للتفاهم على بناء بلدهم بعدما نجح الغزو في تخليصهم من نظام صدام حسين.

من السهل أن يرد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على أوديرنو بأن تصريحاته غير مسؤولة وتنم عن جهل، وأن العراقيين يضحون من أجل وحدة بلدهم والدفاع عنه. وليس منتظراً من العبادي، وهو في موقع المسؤولية، أن يقول غير ذلك. ولكن هل تكفي هذه الردود لحماية العراق من مخاطر التقسيم، الذي بات أمراً واقعاً في معظم المناطق والمحافظات بما فيها العاصمة بغداد، حتى أصبح يتم التعريف عن هذه المناطق بهويتها الطائفية؟

يُحسن العبادي وسائر أركان الحكم في العراق لو اعتبروا تصريحات الجنرال الأميركي بمثابة جرس إنذار، إذا كانوا يريدون فعلاً منع تقسيم بلدهم. والخطوة الأولى تكون بوقف النفوذ الطائفي في أعلى مواقع المسؤولية، أي في رئاسة الحكومة. صحيح أن العبادي بدأ يتخذ خطوات ليميّز حكمه عن ممارسات سلفه نوري المالكي، كما أن القرارات الأخيرة التي اتخذها تتجاوب مع الغضب الشعبي العارم ضد الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة، ومن بينها المؤسسة العسكرية، وتحظى هذه القرارات بتأييد المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، لكنها تبقى ناقصة إن لم تأخذ الصفة الوطنية، بمعنى أن تعكس موقفاً عاماً يمثل مصالح كل العراقيين، بدل أن تبقى في إطار الصراع على الزعامة داخل حزب «الدعوة»، ومحاولة العبادي كسب شعبية أكبر على حساب غريمه ورئيسه السابق.

من المفارقات أن رد العبادي على أوديرنو جاء في اليوم ذاته الذي كان الشيعة العراقيون يرفعون جثث قتلاهم الذين تجاوز عددهم الخمسين من مدينة الصدر في بغداد، بعدما أودى بهم تفجير انتحاري أعلن تنظيم «داعش» المسؤولية عنه. فالقتل المتبادل في العراق طائفي الهوية أيضاً، وما أن يحصل تفجير إرهابي من هذا النوع في منطقة شيعية حتى يتوقع السنّة في المقابل رداً مماثلاً في مناطقهم … وهكذا. ثم ينفي رئيس الحكومة العراقية مخاطر التقسيم ويتحدث عن تضحية العراقيين من أجل وحدة بلدهم.

حبذا لو كان العبادي على حق وأوديرنو مخطئاً. لو كان الأمر كذلك لما كانت هناك حاجة ليقول الجنرال الأميركي إن هزيمة تنظيم «داعش» في المناطق التي سيطر عليها قد تحتاج إلى إرسال قوات برية أميركية من جديد إلى العراق. فلو كان الجيش العراقي فاعلاً ومحايداً في الأساس، ولا تنخره المحسوبيات والفساد المالي والعسكري، لما كان «داعش» قد تمكن من معظم المحافظات السنّية كما هو الحال اليوم، فالنجاح في قتال «داعش» لا يتم على يد تنظيمات ذات هوية طائفية مثل «الحشد الشعبي» أو سواه، بل يجب أن يكون على يد جيش وطني يدين بالولاء للعراق وليس لفئة أو طائفة من طوائفه، ولا تتبع مرجعيته لأي جهة خارجية.

الدولة الواحدة التي يدين كل مواطنيها بالولاء لها هي التي تكفل منع مخاطر التقسيم والتفتيت، في العراق كما في غيره من الدول العربية. أما الردود الغاضبة فلا تفعل إلا تغطية الواقع بقشرة من الأوهام.