Site icon IMLebanon

رسالة العبادي!

لافت جداً إعلان رئيس الوزراء في بغداد حيدر العبادي أن الطيران العراقي قصف مواقع لـِ«داعش» داخل الأراضي السورية، وللمرة الأولى ربما في تاريخ البلدين، وليس فقط في سياق النزالات الدموية المفتوحة راهناً في زمن «الحرب على الإرهاب».

واللافت في الخبريّة، هو التوقيت.. ثم المآرب المستورة خلف عنوان «ملاحقة الإرهابيين» تبعاً للهويّة السياسيّة للسيّد العبّادي المربوطة بإيران على ما يعرف كل من عليها.

أي بمعنى آخر، كأنّ القصف العراقي على مواقع «داعش» قرب منطقة البوكمال الحدوديّة، ليس في حقيقة الأمر، سوى رسالة إيرانية بلسان عراقي، الى الأتراك قبل أي جهة أخرى. وفي خضمّ التصعيد السياسي والإعلامي بين البلدين والذي أظهر نمطاً من المواقف لم يكن مألوفاً في الزمن الحاضر، رغم ركيزته الصلبة في التاريخ البيني المرير والمليء بظواهر الفراق والاختلاف والخلاف والتمايز، قومياً ودينياً.. وما يتناسل عن هذين المعطيَين في السياسة والميدان والثقافة والعادات ومشتقّاتها!

وتلك في كل حال، خاصيّة إيرانيّة اعتاد على تردّداتها أهل المنطقة خصوصاً، وكل مَن له صِلَة بها عالمياً عموماً. حيث المعروف أنّ إيران تكتفي بـ«الإرشاد» والدعم! وتترك للذين «ترشدهم» وتدعمهم مهمة التعبير عن مواقفها، وتبليغ رسائلها وتنفيذ سياساتها: في العراق من أعلى قمّة الهرم السلطوي الى أدنى مراتب «الحشد الشعبي»، مروراً بعشرات الصِيَغ الميليشيويّة المذهبيّة التي نمَت كالفطر غداة سقوط نظام صدّام حسين! وفي لبنان من خلال «حزب الله». وفي اليمن من خلال بني حوث. وفي سوريا من خلال الميليشيات الآتية من «مراكز النفوذ» المذكورة، ومن غيرها من النقاط المشمولة بالحزام الأمني الاستراتيجي الذي تفترضه طهران درعها الواقية!

والواقع في كل حال، هو أنّ هذه الدنيا الدوّارة، لا تدور في غير منطقة مثلما تدور في منطقتنا! وإيران في ذلك لا تستطيع سوى ملاحظة ومواكبة «المستجدات» التي طرأت غداة وصول دونالد ترامب، بعد أن كانت، بالكاد استوعبت تماماً، تحوّل نكسة إسقاط طائرة «السوخوي» الى فرصة لتدعيم العلاقات الروسية – التركية وصولاً الى إبرام «تفاهمات» في شأن سوريا لا تني تتمظهر ميدانياً وسياسياً.

أبرز نقاط وأسباب الخلاف بين البلدين هو الوضع السوري. ثمّ تمكّن الأتراك من تدارك الأمور مع دول الخليج العربي وإشهار سياسة واحدة إزاء مخاطر الأداء الإيراني وعدم التردد في كشف أبعاده القومية والمذهبية، ثم تأكيد النيّة على المواجهة.. الدفاعية في أسسها ومنطلقاتها.

وتلك حالة صادمة بالنسبة الى إيران! التي ظنّت واشتغلت على أساس ذلك الظن، بأنّ الترياق الأوبامي دائم ومستمر! وأنّ «الصيغة» التي سرت وفق معادلة أن الأميركيين والغربيين يكتفون بالحكي وهم ومعهم الروس يشتغلون على الأرض، ستبقى على ما هي عليه الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً!

تجاوز الأتراك الكثير من الأفخاخ، وتجاوز الجانب العربي السياسات السابقة المبنية على الإيجابية ومدّ اليد وإيثار المصالح المتبادلة والحوار والتمسك بجزئية حُسْن الجوار طالما أنّ ذلك كلّه لم «ينفع» في ردع الجموح الإيراني وإعادته الى سويّة المنطق والعقل.. وترافق الأمران مع إعادة صياغة مواقف دوليّة وأميركيّة أساساً بما يتناسق مع المصالح والقيم والشرعية الدولية، الى أن اكتمل أو يكاد المأزق الإيراني في عموميّاته وجزئيّاته.

رسالة العبّادي الناريّة تشبه رسالة الأمين العام لـِ«حزب الله» السيد حسن نصرالله السياسية الأخيرة، فهما جزء من عدّة الاستنفار الإيراني المضاد، وتأكيد على نمط قتالي متعدّد الجبهات، في حين أنّ كل أسباب العقل تقول إنّه آن أوان إعادة النظر في هذا الأداء في مجمله، وبما يخدم مصالح الجميع: إيران وجيرانها!