IMLebanon

استجاب العبادي لواشنطن فحُرّرت الرمادي!

منذ أشهر كثيرة والحكومة العراقية تحضّر لتحرير الرمادي من احتلال “داعش” بعد نجاحها في حينه في تحرير محافظة صلاح الدين ومدينة تكريت. لكنها كانت تمتنع عن تحديد موعد المعركة لأسباب عدة منها الحاجة إلى تدريب الوحدات العسكرية التي ستشارك فيها، ومنها أيضاً الحاجة إلى التنسيق مع الولايات المتحدة قائدة “التحالف الدولي لمكافحة الارهاب” كي توفّر التغطية الحربية الجوية للوحدات المقاتلة. واستناداً إلى المعلومات المتوافرة التي نشرت في حينه، فان عدم توصل واشنطن وبغداد إلى اتفاق على هذا الأمر كان سببه الأول إصرار المسؤولين العراقيين، وبتحريض من حليفتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على إشراك ميليشيات “الحشد الشعبي” الشيعية في معركة التحرير إلى جانب الجيش النظامي. والهدف الإيراني من ذلك كان استعمال التغطية الجوية الأميركية التي دونها لا تحرير للسيطرة على المنطقة السنية المحرَّرة، ولاحقاً على المناطق الأخرى التي لا تزال محتلة وأهمها مدينة الموصل أو محافظة الموصل. وطبعاً رفضت أميركا ذلك لأنها “لا تشتغل” عند إيران، ولا تريد أن تعطيها نصراً عراقياً هي التي لا تزال تحاربها على كل الجبهات في الشرق الأوسط رغم الاتفاق النووي الذي وقّعته مع المجموعة الدولية 5 + 1، والذي ما كان ليرى النور لولا موافقة واشنطن وتحديداً إدارة أوباما. ورفضت ذلك أيضاً لأنها لا تريد أن يهضم شيعة العراق حق السنّة فيه، وأن يتعرّض هؤلاء الى هيمنة شيعية – إيرانية وإلى عمليات تطهير مذهبي كالتي تشهدها مناطق عراقية حول بغداد وخارجها. ورفضت ذلك أخيراً لأنها لم تشأ إغضاب حلفائها من العرب السنة وفي مقدّمهم المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.

ما الذي تغيّر إذاً في الوضع العراقي عموماً وبين أميركا وإيران خصوصاً فأزال اعتراضات الأولى وتحفظاتها وشروط الثانية؟ هل توصّلت الدولتان إلى تفاهم جزئي أو صفقة جزئية أي تتعلق بالعراق، أم شاملة وتتعلق بالمنطقة عموماً، وتحديداً بالجزء الملتهب منها في سوريا وربما في اليمن، واستطراداً في لبنان القابل للالتهاب إذا توافرت ظروف معينة؟ ومن هم السنّة الذين شاركوا في تحرير الرمادي والسنّة الذين يشكلون بيئة حاضنة لـ”داعش”، أو سنّة العشائر الذين يعارضونه ويعتمدون على أميركا وعربها لحفظ حقوقهم ومناطقهم أم السنة الآخرون؟ ومتى ستبدأ معركة تحرير الموصل وهل ستشبه معركة تحرير الرمادي؟

يجيب متابع أميركي جدي لأوضاع المنطقة أن عملية التحرير تمّت بشروط أميركا. إذ لم يشترك فيها “الحشد الشعبي” الموالي لإيران. ونفّذتها قوات من الجيش النظامي بعد تدريب أميركي جدّي، وقوات من عشائر المنطقة المحتلة سلّحتها ودرّبتها قوات أميركية على مدى ثلاثة أشهر، وذلك رغم اعتراض رئيس الحكومة حيدر العبادي في البداية.

ويؤكّد أن أميركا تخطّط لمتابعة تدريب وتجهيز رجال العشائر المشار إليها ولن تتخلّى عنهم كما فعلت في الماضي. بعبارة أخرى، ستتعامل معهم أو ستعاملهم كما عاملت ولا تزال الأكراد في شمال العراق. ويعني ذلك أنها تكوّن حالياً مناطق ذات حكم ذاتي، وهي ستكون أساس أي حل نهائي للصراعات العراقية. علماً أن الرمادي لم تسقط كلها بعد، إذ لا تزال هناك مقاومة في أجزاء منها، لكنها دُمّرت في صورة شبه شاملة.

طبعاً بعد ذلك يستطيع الجيش النظامي التوجّه شمالاً لاستعادة الموصل ولن يكون مضطرّاً للبقاء في بغداد وحولها دفاعاً عنها. لكن تحرير هذه المدينة التي يسكنها نحو مليون نسمة سيستغرق وقتاً طويلاً، وستكون معركة طويلة ضحاياها الحجر والبشر في آن واحد. ذلك أن “داعش” فقد بعضاً من الأرض التي عليها يسيطر لكنه لا يزال قوياً، كما أنه توسّع في اتجاه شمال افريقيا وغربها، وهو يتّجه حالياً نحو جنوبها، ومن شأن ذلك تقريبه من جنوب أوروبا.

في اختصار لا يستبعد المتابع الأميركي نفسه وإن من دون جزم أن تكون الطريقة الوحيدة لحل مشكلات المنطقة إعادة رسم حدود الدول، وتكوين دول صغيرة أو دول أكبر ذات نظام فيديرالي أو كونفيديرالي.