كثيرة هي المؤشرات والدلالات التي تؤكد بشكل قاطع لا لبس فيه على أن العلاقة بين رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري والإدارة السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد الغزيز ليست على ما يرام، بل أن هذه العلاقة، بحسب مصادر سياسية واسعة الإطلاع على صيرورة تطور العلاقة المتأزمة بين الحريري والإدارة السعودية الجديدة، هي في حالة تراجع وتقهقر على أكثر من مستوى وهذا الأمر باتت تداعياته الشديد السلبية على الحريري الإبن واضحة على صعيد تقهقر مكانته ليس فقط من ناحية تراجع شعبيته في الشارع السني في أكثر من منطقة لبنانية لمصلحة تقدم القوى المتطرفة السلفية والأصولية وحسب، بل أن هذا الوضع المتأزم في العلاقة بين السعودية والحريري والذي جعل الأخير مرغما على البقاء خارج لبنان، قد ترك عواقب وخيمة على قدرة الحريري في مسك زمام الأمور في تياره المشتت والمبعثر في خياراته ومواقفه وولاءاته، حيث باتت القضايا والملفات العديدة متفلتة من يديَ الحريري الأبن بسبب تراكم الأزمات التي أصابته بالوهن والضعف على الصعيد السياسي والمالي وذلك على نحو خطر بات يتهدد الإرث الكبير الذي تركه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هذا الإرث الذي بات يتحول تدريجيا داخل تيار المستقبل من ارث وطني جامع عابر للطوائف إلى ارث مذهبي ضيق منغلق تتحكم به لغة التعصب والخطاب المذهبي التحريضي على الفتنة والفوضى وضرب الشركة الوطنية .
الأوساط أشارت الى ان ما يجري مع الحريري وبحسب المعلومات لم يعد مجرد أزمة عابرة بينه وبين الإدارة السعودية، بل يدل على ان هناك أزمة عميقة ومتجذرة تحمل في طياتها دلالات واضحة في أن المملكة العربية السعودية تسير في الإتجاه الذي لن تتخلى فيه عن الطائفة السنية في لبنان، لكنه يؤدي حتما إلى التخلي التدريجي للسعودية عن الحريري كقطب وزعيم سياسي أول للطائفة السنية التي تحتاج في لبنان بحسب بعض الدوائر الدبلوماسية الخليجية إلى زعماء سنة صقور قادرين على خوض غمار المواجهة الحادة والصلبة والحازمة في وجه حليف إيران في لبنان حزب الله الذي يتقدم في كل شيء على تيار المستقبل الذي فشل بدوره مع قيادة الحريري الأبن بأن «يعبي» الحضور والدور النوعي الذي كان يوفره للسعوديين الرئيس الشهيد رفيق الحريري في لبنان خصوصا أن الدعم السياسي والمالي السخي الذي قدم للرئيس الحريري الأبن كان كبيراً جدا وغير محدود إلا أن سوء الإدارة والتبذير والهدر وحتى الفساد قد أدى إلى تبديد هذه الأموال والعطاءات في غير محلها، ما أدى إلى وقوع زعيم التيار الحالي الأزمة المالية الحادة التي يتخبط فيها منذ أشهر طويلة، هذا فضلا إلى أن الأداء السياسي للحريري الأبن لم يكن بمستوى ما هو مطلوب منه، و هذا الأمر يمكن استنتاجه من خلال عجز الحريري طوال السنوات الماضية عن تحقيق أي مكاسب سياسية للملكة العربية السعودية وحلفائها على الساحة اللبنانية التي باتت الكلمة الفصل والأساس فيها لحزب الله حليف إيران ليس فقط لأن الحزب يملك السلاح والقوة العسكرية بل أيضا لأن الفريق المقابل أضاع الفرص الثمينة على نفسه وعلى البلد الأمر الذي أدى إلى وصول مكانته السياسية في لبنان وفي البلاط السعودي إلى ما وصل إليه من حالة مأزومة.
الأوساط أشارت الى ان تقهقر وتراجع العلاقة ما بين الإدارة السعودية والرئيس الحريري الإبن يمكن الإستدلال عليها على سبيل المثال من خلال ما يأتي:
-أن أبواب البلاط الملكي في السعودية باتت مفتوحة بشكل مباشر أمام زعماء لبنان من دون المرور بوساطة بيت الوسط الذي بات من المؤكد، أنه قد أصبح يحـتاج هو نفسه إلى وساطة الغير للقاء المسؤولين الكبار في الدولة السعودية التي حجبت عن الرئيس سعد الحـريري ميزة أن يكون هو القناة الحصرية التي يجب على كل مسؤول لبناني أن يمر من خلالها إذا كان يريد أن يلتقيالمسؤولين الكبار أو الصغار في المملكة العربية السعودية.
وتشير المصادر الى ان الإستقبالات النوعية والمميزة بحفاوتها التي حظيت بها بعض قيادات الصف الأول من لبنان لم يحظ بمثلها الرئيس الحريري الإبن نفسه منذ تولي الملك سلمان قيادة المملكة العربية السعودية التي حرصت في السياسة على استقبال هؤلاء الزعماء اللبنانيين “دون محرم” وهي الجملة التي تعني في قاموس القيادات اللبنانية لقاء القيادة السعودية من دون وجود الحريري لتلك اللقاءات التي بات في ظل القيادة الجديدة في المملكة يتابعها عن بعد مثله مثل اي مواطن لبناني آخر خصوصا أن ترتيبات تلك الزيارات المهمة بالشكل والمضمون والتوقيت قد باتت تتم بمعزل عن أي تنسيق مع الرئيس الحريري وفريقه السياسي وهذا أمر له دلالاته الكبرى في السياسة عموما وفي حجم ودور العلاقة السائدة اليوم ما بين المملكة العربية السعودية والرئيس الحريري.
وتؤكد المصادر ان هذه المكانة المتراجعة للحريري في البلاط السعودي في عهد الملك سلمان يفسرها المطلعون على خفايا الكواليس السعودية بأنه نتيجة حتمية بسبب اقالة صديق آل الحريري التاريخي في السعودية خالد بن عبد العزيز التويجري من منصبه كرئيس للديوان الملكي السعودي والذي كان يشغل في ايضا منصب أمين عام هيئة البيعة وسكرتير خادم الحرمين الشريفين السابق الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ومن دون أدنى شك بأن التويجر كان الداعم الأقوى لمكانة الحريري في البلاط السعودي الذي بات بعيدا عنه بعد خروج التويجري من دائرة الحلقة الضيقة للإدارة الجديدة في المملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز.
-الأزمة المالية المستفحلة التي يمر بها الحريري والتي كان لها عواقب وخيمة على حضوره السياسي قد تكون أبرز العلامات على مدى التباعد القائم بين الإدارة السعودية والرئيس سعد الحريري المحسوب في المملكة على الامير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز المعلوم بأن هناك علاقة جفاء وتباعد بينه وبين ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صاحب اليد الطولى في كل الأمور والقضايا بالمملكة حاليا، وهذا الامر انعكس حظرا على شركات الحريري في الحصول على التلزيمات والمقاولات الكبرى في المملكة العربية السعودية.
فهذه الأزمة المالية بحسب المصادر عينها كان لها أثرها البالغ من خلال توقف تيار المستقبل عن دفع رواتب الموظفين في العديد من المؤسسات التابعة له ولعل ضجيج الإعلاميين السائد في بعض المؤسسات الاعلامية التابعة لتيار المستقبل والذين يعانون من عدم قبض أجورهم ومستحقاتهم منذ عدة أشهر هو دليل ساطع على مدى عمق وحجم التداعيات الشديدة السلبية لهذه الأزمة المالية على تيار المستقبل.
وتشير المصادر الى ان هذه الأزمة هي السبب الأول والأساسي لتراجع سهم «سوليدير» والذي وصل إلى ما دون سعر الـ 10 دولارات هذا فضلا عن المعلومات المتداولة في أروقة الكواليس السياسية التي تتحدث عن اقدام الحريري الأبن على بيع بعض العقارات في بيروت بأسعار متدنية عن قيمة سعرها الحقيقي في إشارة إلى حاجة الرئيس الحريري إلى السيولة في أسرع وقت ممكن.