هل صار في الامكان القول إن المنطقة دخلت العصر الايراني بعدما أعلن مستشار الرئيس حسن روحاني “عودة الامبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد”؟ وهل يكون لبنان من ضمن هذه الامبراطورية أم يبقى خارجها وتكون الفرصة سانحة ليعلن اللبنانيون، على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، اتفاقهم على تحييد لبنان عن كل صراعات المحاور فيرتاح ويريح وينعم عندئذ بالاستقرار والازدهار؟
لقد مرت على لبنان عصور كثيرة قبل الاستقلال وبعده. فمن عصر الامبراطورية العثمانية، الى عصر القائمقاميتين، إلى عصر المتصرفية، الى عصر الانتداب الفرنسي، الى عصر المد الناصري في مواجهة “حلف بغداد”، الى العصر الفلسطيني، الى العصر الاسرائيلي، الى العصر السوري، واليوم إلى العصر الايراني الذي يطل على المنطقة ولا أحد يعرف متى وكيف، وهل يشعل حرباً اقليمية أم تكون تسوية تتفاداها، ومتى يكون لبنان في عصر لبناني صاف لا زغل فيه؟
يرى ديبلوماسي عربي ان الامر يتوقف على الولايات المتحدة الاميركية ومدى استعدادها لأن تدفع ثمن تخلي ايران عن السلاح النووي كرمى لإسرائيل، وهل يكون جزء كبير من المنطقة يتم رسم حدوده هو الثمن ويبقى الجزء الآخر خارج امبراطوريتها؟ لأن ليس لأميركا مصلحة في ان يكون لإيران هذا الحجم فتصبح هي الاقوى، بل ينبغي أن تتساوى بالقوة مع دول اخرى في المنطقة تحقيقاً للتوازن الذي لا بد منه من أجل التصدي للارهاب الذي بات أولوية عند الجميع، ولا سيما اميركا، حتى اذا ما اختل هذا التوازن انفجرت حروب الاديان التي تتمنى اسرائيل انفجارها. فهل يبقى لبنان، بتفاهم داخلي وخارجي، خارج المعمعة ليبدأ مسيرة تحوله “سويسرا الشرق” فعلاً لا قولاً؟
لا بد اذاً من انتظار نتائج المحادثات حول الملف النووي لمعرفة الخريطة الجديدة التي ترسم للمنطقة، وما هو الثمن الذي ستدفعه اميركا لايران مقابل تخليها عن السلاح النووي، وما هو الثمن الذي ستدفعه ايران إذا فشلت المحادثات، كما كان ثمن العدول عن الضربة العسكرية لسوريا التخلي عن السلاح الكيميائي مقابل بقاء بشار الاسد في السلطة.
ولا يهم اسرائيل ان توسع ايران حدود امبراطوريتها في المنطقة بمقدار ما يهمها ألّا يبقى سلاح نووي غير سلاحها لتظل هي الاقوى في المنطقة وقادرة في اي وقت على اشعال حروب دينية تتفرج عليها وتفرح بها وهي ترى العرب يقتلون بعضهم بعضاً، والمسلمون السنّة يتحاربون مع المسلمين الشيعة، والمسيحيون يذهبون “فرق عملة” لا تُصرف إلا بالهجرة الواسعة الى دول الغرب، ولا همَّ عندها سواء بقي المسيحيون في الشرق أم هجروه الى الغرب، فالمهم ان تصبح هي دولة من المنطقة وليس في المنطقة، تستطيع أن تفرض في المفاوضات مع العرب وغير العرب سلاماً شبيهاً بسلام الاستسلام. ولا يهم اسرائيل ايضاً من يعقد معها هذا السلام، العرب السنّة أم العرب الشيعة وبقيادة ايران، بل يهمها أن تكون وحدها الدولة التي تمتلك سلاحاً نووياً يضمن وجودها وبقاءها ويجعلها الاقوى في اي حرب تواجهها. لذلك فانها تنتظر باهتمام نتائج المحادثات حول الملف النووي كي تطمئن كما اطمأنت الى تدمير السلاح الكيميائي السوري. في حين أن ما يهم أميركا هو ألّا يؤدي تفاهمها مع ايران الى ما يزعج دولاً اخرى في المنطقة ويقلقها، ولا سيما السعودية، وذلك حرصاً على الامن والاستقرار فيها، وهذا التفاهم قد يسهل التوصل الى تحقيق سلام شامل لا تعود مع تحقيقه حاجة الى بقاء مقاومة مع سلاحها.
واذا كان لكل دولة همومها ومخاوفها في المنطقة، فان على الولايات المتحدة الاميركية ان ترسم استراتيجية الاتفاق مع ايران ودول المنطقة على اساس سياسة لا غالب ولا مغلوب كي تستطيع جمع الاصدقاء، وإن كانوا متخاصمين، في جهة واحدة لضرب الارهاب، واستراتيجية احتمال حصول خلاف مع ايران تفرض عليها قلب الطاولة اذا رفعت ايران كثيراً ثمن تخليها عن السلاح النووي. وقلب الطاولة يبدأ من سوريا حيث المسرح جاهز.
والسؤال المطروح هو: هل تطلب ايران الثمن المعقول لتخليها عن النووي، ام تطلب الثمن الذي يجعل الأنواء تعصف بها وتعيدها الى داخل حدودها؟