IMLebanon

vطريق بيروت – دمشق معبّد بالعتاد العسكري المتروك… وبكثير من الحذر

 

المنطقة العازلة مع لبنان ملاذ الخائفين من «التغيير»

دمشق

 

الطريق من بيروت إلى دمشق محفوف بالمشاهد غير المألوفة. أيام قليلة غيّرت كل شيء بالنسبة للمتوجه إلى العاصمة السورية من لبنان براً. الطريق الذي كان «رئة» دمشق الاقتصادية، يعج بالزوار من السوريين واللبنانيين، وأكثر بالشاحنات الكبيرة التي تحمل البضائع من مرفأ بيروت إليها، بعد أن حتّمت العقوبات الدولية على سوريا سلوك هذا المسار.

 

الطريق إلى دمشق عبر الحدود اللبنانية، يبدأ بنقطة المصنع التي شهدت في أول أيام التغيير السوري زحمة غير مسبوقة صعوداً، عادت إلى طبيعتها، بل أقل، ذهاباً، فيما استعادت حيويتها، إياباً، حيث اصطفت مئات العائلات السورية التي تأمل بـ«استثناء إنساني» يسمح لها بدخول لبنان. غير أن تدفق القادمين إلى لبنان أقفل الطريق بوجه الجميع. فمن «يحق له» الدخول بات عاجزاً عن الوصول إلى نقطة الحدود لإثبات أحقيته بالدخول. وبات الطريق شبه مقفل لأيام قبل أن تتدخل السلطات اللبنانية لفتحه، ومعها تصاعدت شكوى السوريين من تجاوزات على الحدود دفعت برئيس جهاز الأمن العام اللواء إلياس البيسري، إلى تشكيل لجنة تحقيق في «التجاوزات والتعسف»، تلتها إجراءات لافتة قللت العدد إلى بضع مئات، بعضهم يغادر بعد أن يفشل في الدخول، ثم ما يلبث آخرون أن يصلوا، وبين المجموعتين بعض من السوريين الذي يتمسكون بأمل ما يفتح أمامهم أبواب الدخول إلى لبنان الذي زاد تشدده في منع دخول السوريين، إلا من يثبت أنه مسافر إلى الخارج مروراً بالمطار، أو بأصحاب الإقامات الرسمية في لبنان أو غيره.

 

في السيارات، يبيت أطفال ونساء، الرجال في الخارج يتحلقون حول النار. يقول أيمن، رجل خمسيني من سكان ريف دمشق إنه ينتظر أن يتأمن دخوله إلى لبنان، رغم رفض الحاجز إدخاله. يلمح أيمن إلى وعدٍ تلقاه بالعمل على قضيته، للسماح بالدخول: «نحن في خطر، ولن أُعيد أولادي إلى الموت». يرفض الحديث عن ماهية الخطر، متشبثاً بأنه «سيبقى هنا في المنطقة العازلة إلى الأبد إن هو اضطر إلى ذلك. ورغم عدم الإبلاغ عن حوادث التعرض لمؤيدي النظام السابق من المدنيين، أو من أبناء الأقليات الدينية، وتحديداً الشيعة، فإن الخوف يسيطر على الكثير من هؤلاء. ويقول بلال، وهو سوري من بلدة الزهراء الشيعية بالقرب من حلب، إن أحد أقاربه قتل هناك، وإن اسمه هو أيضاً موجود على لائحة المطلوب القبض عليهم، ولهذا لن يعود أبداً.

 

الصورة نفسها تتكرر بعد أول حاجز لمسلحي المعارضة، مقابل مقر الجوازات السوري الخالي من موظفيه. العبور سهل، ولا يتطلب حتى بطاقة الهوية للبنانيين كما كان الحال سابقاً. تحية مرفقة بابتسامة من الحاجز المسلح تكفي، يرد عليه: بـ«الله محيي الشباب… تفضلوا»، ويؤشر بيده للذهاب نحو سوريا التي كان يحكم الدخول إليها أكثر من سبعة حواجز عسكرية. بعضها كان مخصصاً لتلقي «الرشوات الصغيرة» من السائقين، كربطة الخبز وعلبة الدخان الأجنبية التي تعدّ السلعة الأغلى، وأحياناً مبالغ مالية تُدفع على كل من هذه الحواجز.

 

الأمور تغيرت راهناً، فقد بات الدخول إلى سوريا عبر الحدود البرية، كما الخروج منها، متاحاً للجميع، دون أوراق ثبوتية ولا أسئلة، ولا حتى تفتيش.

 

على مقربة من قوس للنصر، المرفوع على الطريق، تظلله صورتان للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، ووالده الرئيس الراحل حافظ الأسد، يقف شاب بلحية خفيفة، ووجه لوحته الشمس، وقرب سيارته القديمة الطراز، تجلس زوجته وأولاده الثلاثة الذين لم يبلغ أكبرهم عشر سنوات. بتردد يقترب من أحد القادمين من لبنان يسأله عن إمكانية دخوله بسيارته هذه إلى لبنان رغم عدم امتلاكه «الدفتر الأصفر» الذي كانت تعطيه السلطات السورية للسائقين قبل الخروج، بعد أن رده عناصر الحاجز السوري على أعقابه، قائلين له إنه لا إمكانية لدخوله، وإن اللبنانيين يمكن أن يصادروا سيارته. الشاب الذي يتحدر من قرية الفوعة الشيعية قرب إدلب، مُصرّ على الذهاب إلى لبنان. يقول: «اتفقت على عمل مع شخص لبناني، ولا بد لي من الذهاب في أسرع وقت ممكن». تردده يوحي بالخوف الذي لا يبوح به، مؤكداً أن «أحداً لم يتعرض لنا، لكنني مضطر لأنْ أذهب للعمل».

 

 

صورتا الأسد ووالده، نجتا بالكاد على ما يبدو من التمزيق بسبب ارتفاعهما، لكن الصور التي كانت بالمتناول، إما مُزّقت، وإما أزيلت ووضعت أرضاً للدوس عليها. أما الحواجز العسكرية فقد تعرضت للتكسير والتخريب.

 

بقايا عربات ونقاط عسكرية

 

السيارات المتروكة على جانب الطريق، تكاد تكون علامة فارقة، إحداها كانت لا تزال تحترق، فيما أزيل من السيارات الأخرى كل ما هو قابل للبيع؛ الدواليب والإكسسوارات الأخرى. أما العلامة الأخرى فهي كمّ السيارات والآليات العسكرية والدبابات المتروكة بكامل ذخيرتها وحيدة في الشوارع بدءاً من الحدود، تحكي حكاية نظام عسكري انهار، ونظام آخر لا يزال يتلمس طريقه إلى النور.

 

 

وبين السيارات المدنية والعسكرية، كانت آليات مدمرة بصواريخ إسرائيل التي هاجمت أنظمة السلاح التابعة للجيش السوري، ومنها أنظمة صواريخ مضادة للطائرات محمولة على عربات عسكرية.

 

يمتد صف الآليات المهجورة على طول الطريق من الحدود السورية حتى مدخل دمشق. هذه الآليات كان مقرراً لها أن تحمي العاصمة، قبل أن ينهار كل شيء وتعجز عن حماية نفسها، أو مقاتليها الذين تركوا خلفهم ثيابهم العسكرية مرمية على جوانب الطريق، مغادرين إلى منازلهم، فيما بقي العلم السوري القديم مرمياً ممزقاً على الأرض في أكثر من مكان، من دون أن يجرؤ أحد – أو يرغب – على رفعه من مكانه.