حوار مع وزير الزراعة عباس الحاج حسن
لم تترك الحرب في جنوب لبنان تداعيات على مستوى البشر والحجر فقط بما تلحقه من خسائر بالأرواح والمنازل والمؤسسات بل أنها تطال قطاعاً بات يرزح اليوم تحت ضغط هائل، حيث يكشف وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن عن حجم أضرار هائل لحق بالقطاع الزراعي والبيئة الحرجية، ليصل حجم الخسائر في أرقام أوليّة الى حوالى 3 مليارات دولار أميركي، ويتقاطع بذلك مع ما أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «وجوب إعلان الجنوب منطقة منكوبة زراعياً». ولا تقتصر الخسائر على الجنوب بل إنّ تعطّل الحياة الزراعية هناك أدّى إلى ارتفاع جنوني بأسعار الخضار والمنتجات الزراعية وأثّر بالتالي على الإقتصاد اللبناني وعلى كافة اللبنانيين سلباً.
إحصاءات
ونشرت وزارة الزراعة إحصاءات حول الإعتداءات بالفوسفور الابيض المحرم دولياً على الأراضي اللبنانية والتي أدّت إلى نشوب حرائق، منذ 8 تشرين الأول 2023 حتى 3 نيسان 2024، مشيرة إلى أنّ نشوب 707 حرائق ناتجة عن الإستهداف بالفوسفور، ونشوب 96 حريقاً يوم 26 تشرين الاول 2023. كما تم إستهداف 55 بلدة. وبلغت مساحة الاراضي المحروقة بالكامل أكثر من 2150 دنماً، ووصلت مساحة الاراضي المتضررة بين حرجية وزراعية الى 6000 دنم، وتم إستهداف أكثر من 55 ألف شجرة زيتون معمّرة. أما نوع الاشجار المستهدفة فهي الزيتون والصنوبر والسنديان، وتحديداً في البلدات الحدودية، وتم استهداف 55% من المناطق الحرجية من سنديان وملول وغار، و35% من الأشجار الزراعية والحمضيات، و10% من الأعشاب. من جهة أخرى، نفق 340 ألف طير دجاج، و970 رأساً من الماشية، وتضررت 91 خيمة زراعية، كما تضرر 310 قفار نحل بشكل كلي، وتضرر 3000 قفير نحل بشكل جزئي نتيجة إطالة الحرب والنزوح، ودمرت مساحة 600 متر مربع من مستودع أعلاف بشكل كلي، واستهدفت 8 مزارع.
خسائر بالمليارات
ويستعرض الوزير الحاج حسن خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن» الخسائر والأضرار بالأرقام الأوليّة، حيث يلفت إلى أنّ «القصف الإسرائيلي المركز على جنوب لبنان والقطاع الزراعي يستهدف الأمن الغذائي ويستهدف نهضة الاقتصاد الوطني. عندما نتحدّث عن نهضة الإقتصاد الوطني نتحدّث عن إقتصاد بعيد عن الريعية، أي يعتمد على ركيزتيْن أساسيتيْن هما الصناعة والزراعة، وبالتالي اليوم لا يمكن تحديد ما هو الرقم الحقيقي الذي تأتى نتيجة القصف الإسرائيلي بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً وبالقذائف الإنشطارية وغيرها من القنابل، وعندما سُئلت عن كلفة الخسائر فقلت لهم ما لا يقل عن 3 مليارات دولار. في المباشر لبنان يصدر الزراعات إلى الخارج، السلة الغذائية التي يمثّلها الجنوب تمثّل بين 25 و30 في المئة من الناتج القومي الزراعي المحلي وبالتالي إرتفاع الأسعار لا شك تأثر بالقصف الإسرائيلي، عملية التصدير وعملية الإكتفاء بما خص بعض المنتجات الداخلية تأثرت جداً لأن إسرائيل تقصف الموز والحمضيات والأفوكا والزيتون والقطاع الحيواني 350 ألف طير قضي عليها بالكامل وبنية تحتية زراعية يفقدها لبنان كلياً في الجنوب. نعم مع إعلان منطقة الجنوب منكوبة زراعياً بإمتياز، فهل هناك نكبة أكثر من هذه؟».
المناطق المتضرّرة
ويلفت الحاج حسن إلى أنّ «الوزارة وضعت خريطة بالمناطق المتضرّرة وحركة القصف وإلى أيّ مدى تعرّضت كل منطقة للدمار. كفركلا مثلاً قُصِفت 50 مرة، كما استُهدفت 55 قرية ومدينة على إمتداد 10 كلم بدءاً من الناقورة غرباً وصولاً إلى مزارع شبعا شمالاً، وبالتالي هذه المساحة الواسعة كانت تتعرض للقصف بشكل يومي ممنهج. لكن لماذا قصفت إسرائيل أشجار الزيتون؟ لأن لبنان منافس شرس في قطاع زيت الزيتون، هناك إسبانيا وإيطاليا ومعظم دول العالم، والأراضي الفلسطينية المحتلة أيضاً منتجة لزيت الزيتون، كي لا نبسّط الأمور ونسطحها».
الأمن الغذائي مهتزّ
وعمّن سيُعوض على المزارعين، يجيب الحاج حسن: «كحكومة علينا القيام بواجباتنا وتحضير ملفاتنا، وتحديد الخسائر بين قطاع نباتي وآخر حيواني. لكن هل الحكومة قادرة على تعويض كل شيء؟ يجب عليها أن تعوّض، لكن هل من إمكانات؟ يمكن للدولة أن تضع كل الخسائر على الطاولة وتطلب من الهيئات المانحة والدول التي دوماً تقول أنها ستساعد لبنان فالأولى لها أن تساعدنا في هذا الإطار، وهناك هيئات مانحة ودول نتواصل معها ومستعدة للمساعدة، وهي دوماً تعلن أنها تريد أن تساعد لبنان على تحقيق أمنه الغذائي. اليوم الأمن الغذائي مهتز».
ويردف قائلاً: «نحن لا نحتاج فقط الى إعلان الجنوب منطقة منكوبة او نطلب إغاثة، الموضوع أبعد من ذلك. نحتاج اليوم إلى عملية مكننة واستدامة في القطاع الزراعي وإعادة نهضته. أهالي الجنوب لا يحتاجون فقط الى تقديم 200 دولار لهم أو كرتونة مواد غذائية، بل المطلوب اعادة بناء جديد للإقتصاد الجنوبي ومن خلاله الإقتصاد الوطني كي يظل المواطن صامداً في الجنوب».
الأثر البيئي
أما عن الأثر البيئي، فيوضح: «بيئياً لا نظرية واضحة بل نظريات عدة، تتحدث عن مدى تأثير الفوسفور، وإذا تعرض للأوكسجين أم لم يتعرض، وإذا كان في مياه جارية او بحيرات… كل هذه الأمور صحيحة، لكن الصح ما قمنا به في وزارة الزراعة مع المجلس الوطني للبحوث العلمية. حيث شكلنا لجنة وظيفتها، مجرد إنتهاء الأعمال العدائية الإسرائيلية، أخذ عينات تمثيلية لكل هذه المناطق وإجراء فحوصات لنرى مدى نسبة تركز الفوسفور الأبيض في التربة ومدى تأثيره، وبعده يمكننا ان نعلن للرأي العام مدى تأثيره بعد شهر او سنة ام أنه لا يؤثر، يجب أن تكون هناك حقيقة علمية، لكنها غير موجودة اليوم لأنه لا يمكننا أخذ عينات».
دمار هائل
وعن إستعادة الجنوب عافيته، يقول: «هناك دمار هائل، لكن الجنوب عودنا منذ الأربعينيات حتى اليوم أنه يمثل أسطورة طائر الفينيق. الجنوبي الوحيد الذي لم يركع بحياته. هذا ليس شعراً بل أتحدث واقعاً، من حاصبيا إلى كفركلا الى عين ابل ودبل ورميش وصولاً إلى البياضة هؤلاء هم الشرفاء الصامدون، مهما كانت مشاربهم السياسية. قد نختلف في السياسة لا شك، لكن الجنوبي منذ اليسار اللبناني وصولاً إلى اليوم، قدّم دم الشهداء عن كل الأمة العربية، هل يخسر اليوم وينكسر؟
من سيعمر الحجر؟ يجيب: «هذا الحديث سابق لأوانه، لكن مجرد انتهاء الاعمال القتالية العدائية، فان أحباء لبنان كثر، والذين يريدون مساعدته كثر ولكن علينا مساعدة أنفسنا أولاً وتهيئة الارضية والقيام بواجبنا، ومن ثم أعتقد التوجه إلى العالم الأقرب أي الدول العربية، والعالم الأبعد أي الدول الاوروبية والمحيط، وأعتقد في هذا الإطار لا خوف».
تأثير الدمار على الإقتصاد
وعن التقديرات للخسائر بشكل عام، يشير وزير الزراعة إلى أن «مجلس الجنوب قام بمسح شامل، لكن ما يحصل هو أن القصف يتواصل على طول 7 كلم، نعرف مثلاً ان هناك وحدات سكنية مدمرة، لكن لا يمكن تخمينها من دون النزول إلى الميدان. لكن هذا الأمر غير ممكن راهناً مع إستمرار القصف. وبالتالي الأرقام التخمينية ستصيب بنسبة 80 في المئة، وهامش الخطأ 20 في المئة، لأن من يخمنون لا يعاينون الأضرار بالعين المجردة».
ويؤكد الحاج حسن تأثير الدمار في الجنوب على الإقتصاد «والدليل غلاء الأسعار، بعضه يتأتى على خلفية أنّ الإنتاجية كانت صفراً في الجنوب، والأمر نفسه ينطبق على القطاع الحيواني، بالإضافة إلى الإستيراد والتصدير، كله يؤثر. ويؤكد أن بلدنا صغير ومترابط، فمثلاً لا نجد الموز إلا في الجنوب، وبالتالي سيتأثر الإقتصاد بسبب القصف، والأمر نفسه بالنسبة للحمضيات والزيتون».
هل يمكن إعتبار الوضع كارثياً؟ يجيب: «نحن نوصف الواقع في القطاع الزراعي لا شك نتيجة الاعتداء، لكن على صعيد الصمود وثباتنا بالعكس نحن مطمئنون إلى الوضع».
ترميم العلاقة مع الأخوة العرب
أما عن الواقع الزراعي بشكل عام في لبنان فيشير الوزير عباس الحاج حسن إلى أنه «جيد رغم أن طموحنا أن يكون أبعد بكثير من ذلك. وطموحي أن يكون لدينا صفر مشاكل مع محيطنا وأن يكون تصديرنا إلى كل دول العالم العربي. نحن نعمل بكل طاقتنا لإعادة ترميم الثقة بين اللبنانيين في ما بينهم وبينهم وبين الاخوة العرب. في هذا الاطار، قطعنا شوطاً لا بأس به، ونتمنى ان نوفق في فتح ولو كوة صغيرة في هذا الجدار الذي اعتقد انه لم يعد بعيداً أن نعود إلى كل الأسواق الخليجية بما فيها المملكة العربية السعودية، وأسأل الله أن يحصل ذلك اليوم قبل الغد. لكن هذا الأمر يحتاج إلى جهد من الجانب اللبناني وتحضير أرضية معينة وإعادة ثقة معينة. وهنا نتحدث عن قطاع زراعي بحت وإستيراد وتصدير بحت. أما في موضوع العلاقات ما بين الدول العربية من السهل جداً خلق المشاكل لكن من الصعب إعادة ترميم الثقة. وهذا ما نحتاجه كلبنانيين. في السياسة طبعاً سنختلف، ومن الضروري أن نختلف، نختلف مع جيراننا وزملائنا، لكن يجب أن يكون لدينا إستراتيجية واحدة في هذا الإطار، وأولى الأولويات في هذا الإطار الأمن الغذائي في لبنان، وهذا ما أعمل عليه».