للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، أمضى اللواء عباس ابراهيم، في اليوم الأول بعد تقاعده، «صبحية طبيعية» مع زوجته التي احتفَت بهذا «الانجاز العائلي» غير المسبوق، فيما باشَر ابراهيم التخطيط الهادئ لتفاصيل الدور الذي سيؤديه في المرحلة المقبلة.
لكنّ ابراهيم لن يستغرق، على الارجح، كثيراً من الوقت في الاستعداد للدور الجديد او المتجدد الذي تبدو معالمه واضحة بالنسبة إليه، خصوصاً انّ تجربته الغنية على مستوى هندسات «الأمن السياسي» خلال سنوات خدمته، ستسمح له باختصار المراحل والمسافات نحو بلورة موقعه المقبل، مُتكئاً على شبكة واسعة من العلاقات وعلى خبرة وافية في التعامل مع الملفات.
ويتجه ابراهيم نحو اعتماد مكتب للاستقبالات الرسمية والدبلوماسية والأنشطة السياسية، الى جانب عقد اللقاءات الشعبية، علماً انه كان لافتاً انّ زوار ابراهيم في منزله خلال اليوم الأول لتقاعده، كانوا في أغلبهم من أصحاب المشكلات والقضايا العالقة الذين قصدوه طلباً لمساعدته في معالجتها، وكأنهم يشعرون بأنه لم يُبارح بعد مركزه.
كذلك، من المتوقع ان يلتقي ابراهيم قريباً مجلس نقابة المحررين حيث سيرسم أمامه مساره المستقبلي المُفترض وسيُحدد مواقفه حيال بعض التحديات السياسية وملابسات تعذّر التمديد له، فيما يلفت المطلعون على ما يخطط له ابراهيم الى انه لا يريد حَصر حضوره ضمن البيئة الشيعية وانه يتطلّع الى ان يكتسب حراكه المقبل بُعداً عابراً للطوائف والاصطفافات، تماماً كما كان خلال قيادته الأمن العام.
وقد فتح عدم التمديد للواء ابراهيم في قيادة الأمن العام الباب على اجتهادات وتفسيرات واسعة، ذهب أغلبها الى إضفاء نوع من «الشبهة السياسية» حول اسباب ما جرى معه.
ولئن كان لدى ابراهيم شيء من العتب، ولو بدرجات متفاوتة، على بعض الذين كانوا معنيين بملف التمديد له، الا انّ العارفين يؤكدون انه غير «زعلان» لاقتناعه بأن لا مفر عاجلاً أم آجلاً من أن يغادر أيّ موظف أو مسؤول مهما علا شأنه، المنصب الذي يشغله، فالمسألة في رأيه هي مسألة وقت، «ومَن لم يتقاعد اليوم سيتقاعد غداً».
وأكثر ما أراحَ ابراهيم، وفق المحيطين به، هو انّ التجاذب الحاد الذي حصل حول التمديد لولايته من عدمه قد انقلب لصالحه شعبياً، بعدما ساهمت كثرة الاخذ والرد في «استفزاز» شريحة من الناس المُنحازين إليه، وأدّت الى توليد موجة تعاطف معه.
ولئن كان هناك من يعتبر بأنّ ثنائي حركة أمل – «حزب الله» لم يخض معركة التمديد لإبراهيم بالشراسة المطلوبة، وانه لو خاضها بهذا الشكل لاستطاع ان يربحها بالتأكيد، الا انّ القريبين من «الثنائي» يؤكدون ان الحقيقة ليست على هذا النحو وإن كان ظاهر الأمور قد يوحي بالعكس للبعض.
ويعتبر هؤلاء انّ «قانون الطبيعة» تغلب في نهاية المطاف على ابراهيم، بمعنى ان التفاعل بين مجموعة من الوقائع والحقائق هو الذي أفضى الى خروجه من قيادة الأمن العام، من دون أن تكون نظرية المؤامرة هي رافعة هذا الخروج.
ويشير القريبون من «الثنائي» الى انّ إبقاء ابراهيم في مركزه بعد تجاوزه سن الـ 64 كان يحتاج إلى قانون من مجلس النواب، «والرئيس نبيه بري حاول جاهداً عقد جلسة تشريعية يكون من بين بنودها حتى بعد تقليصها، التمديد لابراهيم، لكنّ اعتبارات الكتل المسيحية حالت دون التئامها تحت شعار ان لا تشريع في ظل غياب رئيس الجمهورية».
امّا لماذا لم يضغط «حزب الله» بكل ثقله على الرئيس نجيب ميقاتي بغية تأمين مخرج حكومي للتمديد، تحت طائلة مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، كما يتساءل «المرتابون»، فإنّ المُطّلعين على موقف الحزب يشيرون الى ان علاقته بابراهيم متينة «لكن لم يكن مناسباً ان يهدّد بمقاطعة مجلس الوزراء من أجل شخص مع التقدير لأهميته ومكانته»، فيما هو، أي الحزب، اختلف أصلاً مع التيار الوطني الحر لأنه أصرّ على المشاركة في الجلسات الوزارية انطلاقاً من ضرورات خدمة مصالح الناس.
ويتوقع المحيطون بـ»الثنائي» ان يحصل دَفع قوي في اتجاه تعيين ابراهيم وزيراً في الحكومة المقبلة، الى جانب ترشيحه الى الانتخابات النيابية المقبلة.