IMLebanon

ادّعاء على الادّعاء: الأمن العامّ غير معنيّ

 

 

مذْ طلب المحقق العدلي طارق البيطار رفع الحصانات النيابية والوظيفية عن نواب ومسؤولين أمنيين وعسكريين، وتحفّظ المراجع المعنية عن استجابتها أو رفضها، دار سجال من حول صدمة تضمنها طلبه: الإذن للادّعاء على اللواء عباس إبراهيم

 

جزم المحقق العدلي طارق البيطار في قرارات 2 تموز بالادّعاء سلفاً على المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وطلب الإذن لاستجوابه بالصفة هذه، على نحو مماثل للنائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر والمدير العام لأمن الدولة اللواء أنطوان صليبا، المدعى عليهم من المحقق العدلي السلف فادي صوان. إصراره على الادّعاء على إبراهيم، زاوَجَ القضائي بالسياسي – أو بَانَ كذلك على الأقل – نظراً إلى ارتباط هذا التزاوج بشخصية ارتبطت بالأدوار السياسية والأمنية المتشعّبة ومهمات الوساطة المحلية والخارجية اللصيقة بها.

 

على أن الأمن العام قارب الادّعاء من باب صلاحياته القانونية، وكذلك المسؤوليات المترتّبة عليه في مرفأ بيروت، كما في سائر المرافق المماثلة إذ تحصر نطاقها بوظائف محددة.

بعض ردود الفعل هضم الادّعاء، فيما بعض آخر عثر فيه على تسييس ناجم عن الجزم المسبق به، استعيد معه ما كان عليه القضاء اللبناني غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، والتحقيق الدولي الذي بدأ بالخدعة الملتصقة بأول رؤسائه ديتليف ميليس: استُدعي أربعة من الضباط الكبار إلى التحقيق، ثم صدرت على الأثر مذكّرات توقيف في حقهم، أبقتهم قيد الاعتقال أربع سنوات بلا محاكمة ما خلا بضع جلسات استجواب قلّت عن أصابع اليد الواحدة، إلى أن أطلقتهم المحكمة الدولية في أولى جلساتها عام 2009.

مذَّاك وسمت سابقة ميليس القضاء اللبناني، وعبثت به وتلاعبت بقضاته وآلته وقوّضت سمعته. ذهب الرجل ولبثت السابقة في صورة قضاء لبناني كان يدار من خارج قصور العدل وأقواس المحاكم، على نحو مماثل لوجود سوريا في لبنان. ذهبت المعلمة، وبقيت المدرسة تدير البلاد منذ عام 2005 على نحو مطابق إلى أن وقع الانهيار الحالي المحتوم.

بعدما رفض المحقق العدلي موقف مجلس النواب بتزويده الأدلة والإثباتات التي طالب بموجبها برفع الحصانة عن ثلاثة نواب – واعتبر البرلمان حصوله على الأدلة والإثباتات شرط البحث في رفع الحصانة أو عدمه – تمسّك وزير الداخلية محمد فهمي، كما اللواء إبراهيم، بموقف عدم وجوب الإذن برفع الحصانة الوظيفية، مستنداً إلى المعطيات المتوافرة في ملف متكامل لدى الأمن العام.

معطيات كهذه من المفترض أنها في عهدة البيطار، انطلاقاً من أن القضاء وضع يده على قضية الباخرة روسوس، حاملة شحنة نيترات الأمونيوم، منذ رسوّها في مرفأ بيروت أواخر عام 2013. تلا ذلك صدور قرار عن دائرة تنفيذ بيروت بالرقم 1031/2013 بحجزها احتياطياً ومنعها من المغادرة، ثم توالت فصولاً مشكلة تعويمها بعد إصابتها بعطل، فترحيل بحّارتها، انتهاءً بمصير الشحنة الضخمة من نيترات الأمونيوم ونقلها إلى المرفأ، بالتزامن مع وضع حارس قضائي على البضائع في العنبر 12.

بمقتضى الصلاحيات المنوطة بها، انحصر دور المديرية العامة للأمن العام بالعلاقة مع الأشخاص الذين كانوا على متن الباخرة، قبطاناً وبحّارة، بمنعها خروجهم من الباخرة أو إليها، إلى حين وضع القضاء المستعجل يده على القضية. بتبلّغه في الأول من أيلول 2014 قراراً تنفيذياً قضائياً بترحيل البحّارة، كان على الأمن العام واجب تنفيذه المُلزم، الأمر الوحيد الذي تعاطى فيه وفقاً لصلاحياته. ذلك أن البضائع والمواد تعود إلى إدارة المرفأ والمديرية العامة للجمارك. أما الاشخاص فوحدهم من صلاحية الأمن العام.

 

ادّعاء يسبق الاستجواب يستعيد شبح ميليس

 

 

تبعاً لذلك، يتركّز دفاع الأمن العام عن اختصاصه وصلاحيته، غير المعنيّ بالعنبر 12 ومحتوياته، على المعطيات الآتية:

1 – ليست له أي صلاحية للكشف على العنبر 12 العائدة المسؤولية عنه إلى الجمارك وإدارة مرفأ بيروت حصراً حيال البضائع. لا سلطة له على المستودعات سواء بمراقبتها أو صيانة ما في داخلها.

2 – مع أن مكتب الأمن العام في المرفأ أعلم المديرية بالمعلومات التي راحت تصل إليه من قسم الاستقصاء لديه، تواتراً أو عبر أشخاص دخلوا إلى المرفأ يمثلون سلطة قضائية مكلّفين إنفاذ مهمة تتعلق بالمواد، بيد أن نطاق هذا الإعلام يقتصر على هذا الحد، ولا يُنشئ أي علاقة لدائرة أمن عام المرفأ بنيترات الأمونيوم.

3 – ناطت المادة الخامسة من قانون تنظيم المديرية العامة للأمن العام بها استقصاء المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن كل ما يمتّ إلى البلاد بصلة، فيما حددت المادة 11 صلاحية المكاتب الفرعية – إلى توليها استقصاء المعلومات – منح إجازات الدخول إلى مناطق المرافئ الجوية والبحرية. مآل ذلك أن لا سلطة أو صلاحية للأمن العام على العنابر، بل محصورة بالأفراد والبحّارة. أضف أن المادة 139 من نظام الموانئ والمرافق تضع المستودعات الجمركية في صلاحية الجمارك حصراً. بينما يقصر قانون الأمن العام عليه ما يتعلق بالأشخاص، ينيط قانون الجمارك بهذه كل ما له علاقة بالبضائع والموادّ.

4 – باتت نيترات الأمونيوم مرتبطة حصراً بالنزاع الناشب بين القضاء والجمارك وإدارة مرفأ بيروت، دونما أي علاقة للأمن العام به. ناهيك بأن إدخال هذه المواد وإبقاءها في المرفأ كانا بقرار قضائي.

5 – لأنه ضابطة عدلية، فإن الأمن العام مُلزَم بمراجعة القضاء في كل ما يتصل باختصاصه، ولا تدخل في هذا الاختصاص العنابر والمستودعات والبضائع الموجودة في المرفأ. منذ وضع القضاء يده على هذا الملف عام 2013، أضحت النيابات العامة المرجع الصالح للتحقيق والمتابعة في كل ما يتعلق بالبضائع والمواد في العنابر والمستودعات أو خارجها التي هي من اختصاص الجمارك، ناهيك بأن صيانة البضائع من صلاحية الجمارك وإدارة المرفأ والحارس القضائي، وإعادة التصدير من مهمات الجمارك وصلاحياتها.

6 – علم اللواء ابراهيم بوجود نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت بعد تلقيه تقريرين من رئيس دائرة أمن عام مرفأ بيروت:

أول، في 13 أيار 2014، أُشير فيه إلى الباخرة التجارية روسوس في مرفأ بيروت ومنع مغادرتها حتى إشعار آخر، بسبب إلقاء حجز احتياطي عليها بناءً على قرار أصدرته دائرة تنفيذ بيروت لوجود ديون متوجبة لشركة BUNKERENET، وجاء قرار الحجز قبل إفراغ البضائع في متنها وهي 2755,500 طن من نيترات الأمونيوم الشديدة الخطورة برسم الترانزيت، فأحال التقرير إلى الجهات الرسمية المختصة وفقاً للصلاحية.

ثانٍ، في 9 حزيران 2020 مفاده أن جهاز أمن الدولة في المرفأ فتح تحقيقاً في إشراف المدعي العام التمييزي في نيترات الأمونيوم في العنبر 12، وأن النيابة العامة التمييزية أخذت علماً بتهديدها الأمن والسلامة العامة لوجودها داخل العنبر بلا حراسة. أضف أن مسؤولية رئيس المرفأ تقضي بتنفيذ قرار الحجز بعد تعيينه حارساً قضائياً عليها. بذلك تبين أن حراسة المواد المتفجّرة المحجوزة أُوكلت إلى إدارة واستثمار مرفأ بيروت بناءً على إشارة المدعي العام التمييزي الذي طلب معالجة الفجوة المفتوحة وصيانة الأبواب.

7 – لم يكلف المدعي العام التمييزي دائرة أمن عام مرفأ بيروت مهمة متابعة مصير المواد مذْ علم بها، مع تأكيد عدم اختصاص الأمن العام عملاً بالقوانين المرعية الإجراء. لم يتابع المدعي العام التمييزي أيضاً التقرير الذي أحاله إليه عام 2020 جهاز أمن الدولة، ما يثير شبهة قوية ويوفر دليلاً قوياً على أنه في أحسن الأحوال توقّع أن تسبّب المواد المتفجّرة في المرفأ بالقرب من الأماكن السكنية أضراراً جسيمة في البشر والحجر. قَبِلَ بالمخاطرة من خلال امتناعه عن إجراء ما يلزم لدرء الخطر، ما يربط مسؤوليته في هذا الصدد كون القضاء وضع يده على القضية منذ عام 2013. من البديهي عندئذ عندما تصبح قضية ما في إشراف القضاء وعهدته، تصبح الأجهزة الأمنية غير معنية باتخاذ أي تدبير إلا بأمر منه.

8 – نُقلت هذه المواد بقرار قضائي وليس وفقاً للآلية المعتمدة في الحالات العادية للمواد الخطرة والمتفجّرات المسموح إدخالها إلى لبنان. وصار إلى تعيين حارس قضائي عليها في القرار القضائي الذي سمح بإدخالها. وُضعت قضائياً تحت حراسة رئاسة المرفأ والجمارك والحارس القضائي الخاص، خصوصاً بعد إشارة القاضي غسان عويدات بوضع حراسة على العنبر رقم 12 وطلب تعيين رئيس للمستودع ومعالجة الفجوة المفتوحة وصيانة الأبواب. علماً أن القانون لا يجيز للأمن العام التدخل في موضوع حمولة السفن والبواخر التي ترسو في المرفأ، وإن أفرغت حمولتها في مستودعات المرفأ. كما أن حراسة المستودعات لم يكن مناط أمرها به، ولم يقم بتعديل أو إلغاء هذا الواقع، ولم يطلب منه أي موجب في الوضع المتعلق بنيترات الأمونيوم وتخزينها وحفظها.

بذلك فإن الجرم المشكوّ منه لم يحصل لانعدام حراسة المستودع، بل نجم الانفجار عن عدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بصيانة المواد المودعة داخل المستودعات، وهي تحت الحراسة القضائية والممنوع أصلاً على الأمن العام دخولها أو التعاطي في شأن البضائع الموجودة داخلها.