اعتقد جازماً ان الزيارة التي قام بها مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الى خيمة اهالي العسكريين في ساحة الشهداء لإبلاغهم عن مصير ابنائهم المخطوفين، كانت من اصعب المهام التي قام بها هذا الرجل في حياته الحافلة بالمهمات الصعبة والدقيقة والحساسة، كيف لا وهو يعرف قيمة الشهادة وقيمة فقدان حبيب كون شقيقه محمد ابن العشرين عاماً (جندي احتياط) سقط شهيداً دفاعاً عن لبنان.
كان لدى عباس ابراهيم من الشجاعة والاخلاق ومن الحس الانساني والعاطفي والوطني ومن الشرف العسكري ما يكفي للقيام بزيارة خيمة اهالي العسكريين شخصيآ في وسط بيروت وابلاغهم هذا الخبر الحزين والمؤلم، مع انه كان بالامكان ايفاد احد كبار الضباط في الامن العام للقيام بهذه المهة الصعبة والحساسة وتفادي هذا الاحراج العاطفي والانساني، لكن هذا الرجل الذي تابع هذه القضية وكانت القضية الاولى بالنسبة له منذ العام 2014 وتابعها بكل اصرار ومثابرة من ألفها الى يائها وعاش مع الاهالي مر التجربة التي مروا بها واظهر لهم كل تعاطف ومحبة وتضامن واحتضان ودفء في المعاملة واعطاهم من وقته الكثير الكثير معتبراً ذلك واجباً وطنياً واخلاقياً اصر على الحضور شخصياً على الرغم من الألم الكبير الذي كان يعتصر قلبه والغصة والدمعة التي كانت بادية على وجهه.
– بين «داعش» و«النصرة»…
حاول عباس ابراهيم جاهداً ومنذ البداية الوصول الى نهاية سعيدة للعسكريين الذين اختطفهم تنظيم داعش في عرسال، مثل النهاية السعيدة التي وصلت اليها قضية عناصر قوى الامن الداخلي الذين اختطفتهم «جبهة النصرة» وبقوا على قيد الحياة، ولكن شاءت الظروف وشاء القدر ان لا يتحقق ذلك وان يلقى العسكريون هذا المصير المأسوي والحزين على يد هذه العصابة المجرمة والارهابية والغادرة والجبانة.
– معلومات غير مؤكدة عن مصير العسكريين
وهنا وبالعودة الى المعلومات غير المؤكدة التي توافرت في احد الايام للواء ابراهيم عبر مصادر خاصة عن مقتل العسكريين على يد مجرمي داعش، والذي لم يشأ يومذاك الافصاح عنها طالما لم تتوافر ادلة حسية وقاطعة حول هذا الموضوع الانساني والحساس وذلك من منطلق اخلاقي ومهني، معتبراً ان اعطاء الاهالي اخباراً غير دقيقة وغير مؤكدة تقضي على آمالهم وتفاقم في معاناتهم والآمهم.
– معركة فجر الجرود …
من هنا وعندما انطلقت معركة «فجر الجرود» ايقن اللواء ابراهيم بحنكته وذكائه وخبرته الامنية الطويلة ان هذه هي اللحظة المناسبة والفرصة المتاحة لكشف مصير العسكريين المخطوفين مع داعش واستعادتهم، وجعل من هذا الملف بنداً اساسياً في اي تسوية يمكن التوصل اليها مع هذا التنظيم الارهابي واشترط ان يكون كشف مصير العسكريين شرطاً مسبقاً واساسياً لأي وقف لإطلاق النار ولإبرام الاتفاق على عملية ترحيل عناصر داعش وعائلاتهم الى دير الزور.
لقد كان كشف وتحديد مصير العسكريين هدف وعنوان عملية «فجر الجرود» الى جانب الهدف الآخر المتمثل في تحرير واستعادة الارض، وهذان الهدفان تحققا تحت الضغط العسكري الذي مارسه الجيش اللبناني.
– عملية فجر الجرود حققت اهدافها.
ويمكن القول بكل ثقة واعتزاز ان هذه العملية العسكرية والامنية حققت اهدافها واعادت الارض والعسكريين، وان الجيش اللبناني بقيادة العماد جوزيف عون حقق انتصاراً واضحاً ونظيفاً في أسرع وقت واقل كلفة وخسائر، وهنا وبالتأكيد كان اللبنانيون يتمنون ان يعود العسكريون احياء لا شهداء الى اهلهم وعائلاتهم ومؤسستهم العسكرية ولكن شاء القدر القاسي ان يعودوا ابطالاً مرفوعين على الاكف والاكتاف.
ويبقى ان استعادة الاهالي لجثامين ابنائهم كانت خطوة مهمة جداً في ابعادها الوطنية والانسانية والعاطفية، لأنها تطفىء في قلوب الامهات والاباء والزوجات والاولاد حرقة ولوعة المصير المجهول.
– شكراً عباس ابراهيم …
وهنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد لنا من القول وبصوت عال… شكراً عباس ابراهيم، على جهودك الحثيثة والفعالة والاساسية في انهاء هذا الملف وهذه القضية الوطنية والانسانية، وهذا لسان حال كل اللبنانيين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم واحزابهم.
نعم شكراً لك على جهودك التي ادت الى كشف مصير العسكريين المخطوفين مكملاً مسيرة عطاء وتضحية بدأتها منذ اعوام بكل ثبات وايمان، حيث كانت لك المساهمة الاساسية والدور الفاعل والمؤثر في تحرير مخطوفي اعزاز وراهبات معلولا وعناصر قوى الامن الداخلي الذين بقوا على قيد الحياة وانقذتهم قبل فوات الاوان من قبضة النصرة.
كما كان لك اخيراً الدور الكبير في كشف مصير العسكريين المخطوفين لدى داعش، المصير الذي لم تكن تريده وكان خارجاً عن ارادتك وشاءه القدر.
– قضية المطرانين ابراهيم واليازجي والمصور كساب.
عندما كان عباس ابراهيم منكباً على متابعة قضية العسكريين في خضم المعركة لم ينس ايضاً قضية المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي والمصور سمير كساب وادرج اسماءهم على لائحة الشروط والمطالب، الى ان تبلغ عبر وسطاء ان تنظيم داعش ليس معنياً بهذا الموضوع ولا علاقة له بخطفهم في ظروف ما تزال مجهولة.
وعندما كان اللواء ابراهيم يتولى المفاوضة على مغادرة مقاتلي النصرة من جرود عرسال واراد هذا التنظيم ان يأخذ معه اشخاصاً مرتبطين به في مخيم عين الحلوة، رفض اللواء ابراهيم بشكل قاطع ان يخرج لبنانيون متورطون بعلاقة مع الارهاب واتخذوا من المخيم ملاذاً وملجأ لأن هؤلاء يجب ان يمثلوا امام المحاكم اللبنانية وينالوا عقابهم.
ولأن تعاطي اللواء ابراهيم مع القضايا الوطنية والانسانية على هذا المستوى من الالتزام والمسؤولية والترفع فإن اي «عتب» وجه اليه او «عتب على قدر المحبة» كما قيل، لا يؤخذ به ولا يكون له مكان ولو صدر عن محبة من احد الاهالي الغاضبين، لان من يحمل ملف بهذا الحجم من الحساسية والدقة يتصرف بمسؤولية عالية وبواقعية، و«روما من فوق غير روما من تحت».
– اصوات النشاز…
كما حاول بعض السياسيين والطامحين الانتقاص من انتصار الجيش اللبناني في الجرود وعلى الحدود «وتنغيص» الفرحة عبر اغراقهم هذا الانجاز الوطني بسجالات وتجاذبات عقيمة وتوزيع شهادات بالوطنية واجتراح بطولات وهمية ان كان لتحديد المسؤوليات عن مرحلة سابقة واصدار احكام مسبقة ساهم الكل فيها ويتحمل الجميع مسؤولية ما حدث يومذاك في صيف 2014 نتيجة الصراع «السني – الشيعي» الذي تعيشه المنطقة ولبنان وذلك بشهادة رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري وعلى لسانيهما.
كما كان كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مسك الختام «ورئيس الكلام» عندما وضع حداً لكل هذا السجال من خلال تغريدة عبر تويتر.. حيث قال ان توزيع الاتهامات واصدار الاحكام قبل ان يقول القضاء كلمته مرفوض، وان قضية احداث عرسال سلمت الى القضاء وليس الى المحللين.
وفي الختام وبعد كل ما تحقق، لا تعود لاصوات النشاز والتشكيك والانتقاد مكان، لأن كل صوت على متوخياً التشويش على الانجاز المحقق والتقليل من شأن انتصار كبير وتحويل الانظار في اتجاهات اخرى، لا قيمة له في ضمير ووجدان اللبنانيين الذين يعرفون الحق والحقيقة والبئر وغطائها…