IMLebanon

عباس إبراهيم.. المفاوض بأثمان مقبولة

انتهت المهمّة، لتبدأ أخرى أشدّ وأصعب. في اللحظة التي انتقل فيها موكب العسكريين المحرّرين من جرود عرسال باتجاه بيروت، كان اللواء عباس ابراهيم يذكّر بأن الفرحة لم تكتمل. العسكريون التسعة المخطوفون لدى «داعش» سيكونون عنوان مرحلة جديدة شائكة من التفاوض «إذا وُجِد المفاوضون»… لكن التجرّبة تعلّم وتقوّي. صار المدير العام للأمن العام مفتاح المهمّات الصعبة.

من قطر وتركيا وبيروت الى غرفة العمليات في صقيع الجرود. أشهر مرّت ثقيلة على «كبير المفاوضين» تماماً كما على ذوي العسكريين. الليلة الأخيرة عشيّة التسلّم والتسليم، قضاها ابراهيم في اللبوة. كانت أيضا فرصة التلاقي مع أناس عاديين. يعرفونه بالاسم والصورة، ووجدوه فجأة بينهم. متفائل الى أقصى الحدود. ضمانة القطريين مضمونة هذه المرّة، وكذلك إصراره على إحراج الخاطفين.. لإخراجهم العسكر من الاعتقال المتأرجح بين الموت والحياة.

قبل عام تماماً من «عرس التحرير» كان اللواء إبراهيم يشهد على انزلاق ملف العسكريين نحو الهاوية. خضوع داخلي للعبة الابتزاز كَسَر التوازن في قواعد التفاوض وفتح شهية الخاطفين على فرض الشروط والهيمنة. راحت الدولة، المتعدّدة الرؤوس، باتجاه التفريط بعناصر القوة بدلاً من مراكمتها. فتح البعض «ميني دكاكين» تفاوض استناداً الى طائفة العسكري المخطوف ومذهبه!

في تلك اللحظة، أمام تخمة الطباخين وسياسة الارتجال وارتباك الدولة الذي ترجم بأحد أوجهه بإصدار بيان باسم الحكومة بالانتقال الى مرحلة التفاوض «المباشر والفوري مع الخاطفين»، كاد ابراهيم أن يتنحّى عن الملف الى حدّ غيابه عن أحد اجتماعات خلية الأزمة. سريعاً اكتشفت الدولة «المراهقة» مدى تهّورها في التعاطي مع قضية مفاتيحها خارجية وتحتاج الى ضابط إيقاع ومفاوض صلب نَفَسه طويل، فعادت الورقة الى يد اللواء حصراً.

قاعدة «رقم واحد» يتّكئ عليها عباس ابراهيم في كل ملفات التفاوض. «معرفة الثمن الذي عليك دفعه، وحين يكشف الإرهابيون عن مطالبهم أعرف ماذا سأعطيهم».

الثمن الاول المطلوب ليس أبدا هو النهائي. هذا ما حصل فعلا. تدرّجت «جبهة النصرة» في فرض شروطها ومطالبها الى حدّ التعجيز. كان يترك لهم دائماً أثماناً في «الاحتياط». لجأ اليها في اللحظات الأخيرة لإتمام الصفقة من دون التنازل عن الخطوط الحمر التي رُسمت في البدايات.

الرجل منظومة متكاملة عمودها الفقري ليس فقط شبكة العلاقات الدولية والاقليمية التي وضعته على خط تماس مع دول وأسرارها، وليس كونه شخصية أمنية سياسية بالفطرة، بل لكونه من قماشة لا تشبه السائد. صحيح أنه حائك تسويات لكن من موقع من يلاعب الضغوط النفسية من دون أن يصبح أسيرها…

يستطيع من ضمن «أمر المهمّة» الموكلة اليه، أن يفعل تقريباً كل شيء. تواصل دائم مع الوسيط القطري ومع الخطوط المفتوحة مع السرايا. إشراف على تفاصيل التفاصيل. ينهي اتصالاً يجريه مع الخارج ليجري أكثر من اتصال مع مسؤولي وسائل إعلامية يحثّهم على التعاطي بمسؤولية وتحفّظ أكثر مع المسألة، والعودة الى المراجع المختصّة في استقصاء المعلومات لحماية العسكريين وإنجاح المهمة. يتفقّد قبل يوم واحد مكان عملية التسلّم والتسليم ويوعز بتجهيز 16 بدلة مرقّطة للعسكر العائد الى الحرية و «الخدمة» ويأمر بإعادة المحرّرين الى ذويهم كما كانوا قبل الأسر، وصولاً الى كسر البروتوكول في السرايا المحتفية على غير عادتها بـ «عرس شعبي» وبيان عودة المحررين الى «حضن الشرعية والمؤسسات».

حين اقتربت الصفقة من موعد التنفيذ، ضاعف الجهد فصار النوم ترفاً يعرفه لساعات قليلة فقط. انتهى الجزء الاول من المهمّة. سيحاول ابراهيم إحداث خرق في المكان الأصعب، مع «داعش»، حاملاً معه أسرار ومفاتيح الصفقة الاولى مع «النصرة»، منها تلك التي قادته، من خارج السياق، الى شكر الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله معاً…

نصرالله حرّك الملف مع أمير قطر

كشف اللواء عباس ابراهيم أن الرئيس سعد الحريري زار أمير قطر وأودعه ثقته به، بعد محاولات لمذهبة الملف، وقال له: اللواء هو من بيتنا.

كما كشف ابراهيم أن السيد حسن نصر الله كان في الاسبوع الاخير يتدخل يومياً لمعالجة التعقيدات التي كانت تعتري صفقة إطلاق العسكريين ويتواصل مع أمير قطر تميم بن حمد لتذليل العقبات. وأوضح أنه زار نصر الله في شهر تشرين الأول الماضي، ووعده باتصال سيجريه مع أمير قطر، قبل أن يتبلغ بعد أسبوع أن الاتصال حصل والملف تحرك.

كما قال إن نصر الله تدخل لدى الرئيس بشار الأسد لأن الصفقة تحتاج إلى بعض الموقوفين من سوريا وإلى وقف لإطلاق النار، وقد حصلنا على ما نريده.

وأشار ابراهيم إلى أن الملف تعثر قبــل يوميــن، لأن «النصرة» كانت تعتقد أنها تســتطيع أن تحقق مكاســب إضافية في اللحظة الأخــيرة، وانحشرت عنــدما نفــذنا كل ما هو مطلوب منا.

وقال إنها «طرحت موضوع كف التعقبات عن مصطفى الحجيري وعن كل المطلوبين في عرسال، فأبلغناهم ان هذا اجراء قضائي طويل، مؤكداً أن «الصفقة لم تشمل الحجيري أبداً ولن اعده بان تشمله لاحقاً لاني لا اقدم وعوداً لا استطيع تنفيذها».

وفي ما يتعلق بالاتفاق، أوضح أن الممر الآمن بين وادي حميد وعرسال يمر عبر حواجز الجيش حصراً. كما أكد أن سجى الدليمي فضلت ألا تذهــب إلى «جبــهة النــصرة» وقد اطلقت اسم يوسف على طفلها تيــمناً باسم الضــابط اللبــناني الذي عاملها معاملة حسنة، فيما اختارت جمانة حميد الذهاب إلى عرسال.